بحلول شهر نوفمبر، تصبح الأيام أقصر وتصفر أوراق الاشجار وتتساقط إيذانا بدخول فصل الخريف. قد يسعد هذا الفصل الكثير من الأشخاص، لكن البعض الآخر قد يمثل له كابوسا. إذ يعتبر هذا الموسم عندهم مرادفًا للكآبة والمزاج السيئ.
ويتعرض 10 إلى 20 بالمئة من سكان العالم لاكتئاب موسمي، بحسب تصريح للدكتورة هيلين ريتشارد ليبورييل، المسؤولة عن وحدة اضطرابات المزاج في المستشفى الجامعي بجنيف، لموقع سكاي نيوز عربية.
وتقول: "هذا اكتئاب يظهر خلال فصلي الخريف والشتاء ويحدث عند الأشخاص الحساسين لنقص الإضاءة. يتم تشخيصه عندما نلاحظ نوبات اكتئاب خلال فصلين -خريف أو شتاء- متتاليين على الأقل. وتتشابه أعراضه مع أعراض الاكتئاب الكلاسيكي. من بينها، الحزن من دون سبب واضح، مشاكل في التركيز والذاكرة، فقدان الثقة في النفس، القلق المستمر وأحيانا تصل بالبعض إلى الرغبة في الانتحار".
من ناحية أخرى، بينما يؤدي الاكتئاب الكلاسيكي إلى فقدان الشهية، يميل المصابون بالاكتئاب الموسمي إلى الإفراط في تناول الطعام خصوصا الأطباق الغنية بالسكريات. لذلك تقول ليبوريل: "غالبا ما يلاحظ زيادة في وزن المرضى بالإضافة إلى حاجتهم القوية للنوم".
الكثير من الميلاتونين
ولا تزال أسباب الكآبة الموسمية في الشتاء محل دراسات علمية، لكن ما توصل إليه الباحثون، يفيد بأن السبب الرئيسي يرجع إلى قلة الضوء، حيث يؤثر ذلك على الساعة البيولوجية الداخلية التي تنظم العديد من وظائف الجسم من خلال دورات مثل اليقظة والنوم، وإنتاج بعض الهرمونات (السيروتونين والميلاتونين).
وفي هذا الشأن، توضح المسؤولة عن وحدة اضطرابات المزاج في المستشفى الجامعي بجنيف: "عندما تعاني من اكتئاب موسمي، فإنك تكون غير قادر على التكيف مع نقص الضوء، ولا يعود الميلاتونين يتلف في الصباح كما ينبغي. وتراكم هذا الهرمون في الجسم يسبب فرط النوم".
وتتابع: "ينظم الضوء ساعتنا الداخلية. في شبكة العين، تلتقطه الخلايا العقدية وترسل إشارات إلى الغدة الصنوبرية الموجودة في الدماغ. عندما ينخفض الضوء، تنشط هذه الغدة إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين)، الذي يهيئ أجسامنا للنوم. ويستمر هذا الإنتاج في التدفق عند المكتئبين حتى مع بداية اليوم، أي أن الضوء لا يدمره، مما يسبب رغبة ملحة في النوم".
وبالنسبة لبقية الأعراض تقول ليبوريل: "عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب الموسمي، تكون مستويات بروتين نقل السيروتونين أعلى خلال فصل الشتاء عنها خلال فصل الصيف. هذه الظاهرة غير موجودة عند الأشخاص الأصحاء".
وتضيف: "إن ناقل السيروتونين يعيده إلى الخلايا العصبية حيث لا يكون نشطًا. لذا فكلما زاد نشاط الناقل، قل نشاط السيروتونين، وأشعة الشمس تحافظ على نشاط الناقل منخفضًا بشكل طبيعي، ولكن مع زيادة طول الليل، يرتفع مستوى ناقل السيروتونين، مما يؤدي إلى انخفاض مستواه النشط".
وتتابع: "وبالتالي، الأشخاص الذين لا يعانون من الاكتئاب الموسمي ليس لديهم هذا النشاط المتزايد لناقل السيروتونين، مما يعني أن لديه نفس النشاط طوال الفصول عكس المكتئبين".
العلاج بالضوء
وللتعويض عن نقص الضوء، تنصح الطبيبة النفسية بمصابيح العلاج بالضوء التي تدمر الميلاتونين الزائد في الجسم وبالتالي تعديل الإيقاع البيولوجي.
وتؤكد أن "العلاج بالضوء هو العلاج الأول للاكتئاب الموسمي، فهو فعال في 60 إلى 70 بالمئة من الحالات، وهي نسبة عالية جدًا في الطب".
وختمت بالقول: "هذا الضوء الأبيض لا يحتوي على الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء وليس له أي آثار جانبية".
ونصحت بأن يُعرّض المصاب بهذا النوع من الاكتئاب نفسه لضوء هذه المصابيح كل صباح لمدة 30 إلى 40 دقيقة. وبعد أسبوع يمكن ملاحظة نتائج طيبة.