أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة على بعد 5 أيام من كتابة اسمها بحروف من نور في سجلات تاريخ البشرية باعتبارها خامس دولة في العالم تصل بنجاح إلى الكوكب المريخ.
وفي حال نجاح وصول الإمارات إلى كوكب المريخ من المحاولة الأولى، تكون الدولة حققت إنجازاً عالمياً يفوق نسبة نجاح الوصول إلى مدار الكوكب الأحمر والتي لا تتعدى تاريخياً 50 بالمئة.
أنظار العالم تترقب الأمل
وتتجه أنظار الملايين في دولة الإمارات والوطن العربي والعالم الإسلامي والمجتمع العلمي حول العالم إلى "مسبار الأمل" ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ الذي تفصله 5 أيام فقط عن الوصول إلى مدار المريخ يوم الثلاثاء الموافق 9 فبراير الجاري عند الساعة 7:42 مساء بتوقيت الإمارات.
ويأتي ذلك في أول مهمة تقودها دولة عربية أو إسلامية لاستكشاف الكواكب، وسط حالة من الترقب والانتظار لمصير هذه المهمة التي تحمل معها آمال وطموحات شعوب أكثر من 56 دولة عربية وإسلامية في الوصول لأول مرة إلى مدار الكوكب الأحمر، علماً بأنه سيكون هناك بثاً حياً لحدث وصول المسبار عند الساعة السابعة مساءً تنقله محطات التلفزيون ومواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي.
تحديات المرحلة الأخيرة
ومع اقتراب "مسبار الأمل" الذي انطلقت رحلته الفضائية في 20 يوليو 2020، قاطعاً حوالي 493 مليون كليومتر، من الوصول إلى محطته النهائية حول مدار المريخ، تواجه الرحلة المريخية ذات المهمة العلمية غير المسبوقة عالمياً أصعب مراحلها وأكثرها دقة وتعقيداً، وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ.
وكان المسبار قد أنجز بنجاح، منذ انطلاقه قبل نحو 7 أشهر من قاعدة تناغاشيما اليابانية على متن الصاروخ "إتش 2 إيه"، مرحلتين هما مرحلة الإطلاق، ومرحلة العمليات المبكرة، وهو الآن على وشك إنجاز المرحلة الثالثة وهي "الملاحة في الفضاء" التي استغرقت أطول مدة زمنية، وجرت فيها بنجاح 3 مناورات دقيقة لتوجيه المسبار ليكون في المسار الأكثر دقة للوصول إلى وجهته، قبل أن تبدأ بعد 4 أيام (يوم التاسع من فبراير 2021) المرحلة الرابعة والأكثر صعوبة ودقة وخطورة وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، ويعقبها مرحلتان هما الدخول إلى المدار العلمي ثم المرحلة العلمية.
27 دقيقة عمياء وتحكم ذاتي
وتكمن صعوبة ودقة وخطورة المرحلة الرابعة من رحلة المسبار "مرحلة الدخول إلى المريخ" في كون المسبار سيعمل بشكل ذاتي ومن دون تدخل بشري، بخفض سرعته البالغ متوسطها 121 ألف كيلومتر في الساعة إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة خلال 27 دقيقة تكون خلالها الاتصالات منقطعة مع المسبار بشكل مؤقت.
والتحدي الأكبر في هذه الدقائق هو تأخر اتصال المسبار مع المحطة الأرضية في الخوانيج في دبي بالمسبار خلال هذه الفترة الحرجة والتي تسمى "الـ27 دقيقة العمياء"، حيث أن المسبار يعالج كافة تحدياته في هذه الفترة بطريقة ذاتية، وفي حال تعطل أكثر من اثنين من محركات الدفع العكسية "دلتا في" التي يستخدمها المسبار في عملية إبطاء سرعته، سيتسبب ذلك في أن يضيع المسبار في الفضاء العميق أو يتحطم وفي كلتا الحالتين لا يمكن استرجاعه.
إعادة فحص الأجهزة
ونظراً لأن هذه المرحلة تعد الأخطر في مهمة المسبار بالكامل، فإنه بعد إنجازها بنجاح وعودة الاتصال بالمسبار مجدداً، سيتم إعادة فحص واختبار جميع الأنظمة والأجهزة الفرعية للمسبار قبل الانتقال إلى المرحلتين اللاحقتين "الانتقال إلى المدار العلمي" ثم "المرحلة العلمية" التي سيقوم خلالها المسبار عبر أجهزته العلمية بجمع وإرسال البيانات حول الكوكب الأحمر، ولكل من هذه المراحل طبيعتها الخاصة وتحدياتها النوعية ومخاطرها المتعددة التي تتطلب التعامل معها بكل دقة وكفاءة ومهارة من جانب فريق العمل.
التواصل مع مركز الخوانيج
ويتولى فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" الاتصال مع المسبار عن طريق مركز التحكم الأرضي في الخوانيج بدبي، ويكون التواصل مع المسبار بعد وصوله إلى المرحلة العلمية مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، ومدة كل مرة 6 إلى 8 ساعات يومياً، علماً بأن التأخر في الاتصال نظراً لبعد المسافة يتراوح ما بين 11 إلى 22 دقيقة، وذلك لإرسال الأوامر إلى المسبار وأجهزته العلمية، وكذلك لاستقبال البيانات العلمية التي يجمعها المسبار طوال سنة مريخية كاملة (687 يوماً بحسابات كوكب الأرض). وقد تم تجهيز مركز التحكم الأرضي على أعلى مستوى للقيام بهذه المهمة من خلال الكوادر الوطنية الشابة.
إنجاز تاريخي نوعي
وقالت سارة بنت يوسف الأميري وزيرة الدولة للتكنولوجيا المتقدمة رئيس مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء: "يعد وصول مسبار الأمل بنجاح إلى هذه المرحلة من مهمته الفضائية التاريخية لاستكشاف المريخ إنجازاً نوعياً لدولة الإمارات، ومهما كانت نتيجة الدقائق الحرجة التي سيواجهها المسبار قبل دخوله إلى مدار الالتقاط حول المريخ، فنحن فخورون بفريق العمل من الكوادر الوطنية الشابة، وبما أنجزته سواعد وعقول أبناء وبنات الوطن تحت مظلة مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ."
وأضافت "نحن واثقون أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ (مسبار الأمل) سيكلل بالنجاح، وخصوصاً أنه قد تمكن من تخطي العديد من التحديات الصعبة منذ انطلاقه كفكرة في الخلوة الوزارية عام 2014، مروراً بعمليات التصميم والتنفيذ وبناء المسبار في مركز محمد بن راشد للفضاء، ثم نقله لمحطة الإطلاق باليابان في ظل التفشي العالمي لجائحة فيروس كورونا المستجد وما ترتب عليه من إجراءات احترازية وإغلاق للمطارات والموانئ حول العالم، وذلك في رحلة استغرقت 83 ساعة براً وجواً وبحرا".
وقالت: "كلنا ثقة في أن مسبار الأمل سيواصل مسيرته الحافلة من تخطي الصعاب والتحديات وتحويل المستحيل إلى ممكن بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة، وجهود أبناء وبنات دولة الإمارات من الكوادر الوطنية الشابة العاملة في المشروع، بما يؤدي إلى تتويج هذه المهمة بالنجاح بإذن الله".
حصر التحديات والمخاطر
بدوره، قال عمران شرف مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" إنه منذ بداية تصميم وتطوير مسبار الأمل حصر فريق العمل التحديات والمخاطر التي ربما تواجه المسبار أثناء رحلته إلى المريخ أو عند وصوله إلى مدار الكوكب الأحمر، كما وضع الفريق سيناريوهات عديدة للتعامل مع هذه التحديات، ولكن هذا لا يمنع إمكانية تعرض المسبار لأية ظروف طارئة قد تؤثر على نجاح مهمته الاستكشافية.
وأضاف أن اقتراب مسبار الأمل من مدار المريخ بعد 7 شهور من رحلته في الفضاء العميق، وقطع مسافة 493 مليون كيلومتراً، ليس نهاية الرحلة بل هو بداية لأخطر مراحل مهمة المسبار وأكثرها دقّة، نظراً لكونها المرة الأولى التي يتم فيها استخدام منظومة المسبار الذي تم تصنيعه بالكامل ولم يتم شراء أي جزء منه، ونحن واثقون أن الجهود الدؤوبة لفريق العمل على مدار 7 سنوات ستكلل بالنجاح.
ويشار إلى أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ "مسبار الأمل" مبادرة استراتيجية وطنية أعلن عنها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في 16 يوليو 2014، لتكون دولة الإمارات -عند نجاح مهمة مسبار الأمل- خامس دولة في العالم تصل إلى المريخ تنفيذاً للبرنامج العلمي النوعي الذي تملكه لاستكشاف الكوكب الأحمر.
وتم تكليف مركز محمد بن راشد للفضاء من قبل حكومة دولة الإمارات بإدارة وتنفيذ جميع مراحل المشروع، في حين تتولى وكالة الإمارات الفضاء الإشراف العام على المشروع.
وجرى إطلاق مسبار الأمل بنجاح في العشريين من يوليو 2020 وسيقدم المسبار أول دراسة شاملة عن مناخ كوكب المريخ وطبقات غلافه الجوي المختلفة عندما يصل إلى الكوكب الأحمر في التاسع من فبراير عام 2021، وذلك بالتزامن مع مرور 50 عاماً على قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة).
وتتضمن أهداف "مسبار الأمل" -عند وصوله بنجاح إلى مداره حول الكوكب الأحمر- تقديم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ البشرية، الأمر الذي سيساعد العلماء على التوصل لفهم أعمق لأسباب تحول كوكب المريخ من كوكب مشابه لوكب الأرض إلى كوكب ذي جو جاف وقاسي. ومن شأن فهم الغلاف الجوي لكوكب المريخ أن يساعدنا على فهم كوكب الأرض والكواكب الأخرى بشكل أفضل، وبالتالي استقصاء فرص العيش في الفضاء الخارجي وبناء مستوطنات بشرية على الكواكب الأخرى.
ويجمع مسبار الأمل أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ، بحيث يتم إيداعها في مركز للبيانات العلمية في الإمارات وسوف يقوم الفريق العلمي للمشروع بفهرسة وتحليل هذه البيانات التي ستكون متاحة للبشرية لأول مرة، ليتم بعد ذلك مشاركتها مجاناً مع المجتمع العلمي المهتم بعلوم المريخ حول العالم في سبيل خدمة المعرفة الإنسانية.
وتتجلى الأهداف الاستراتيجية للمشروع في تطوير برنامج فضائي وطني قوي، وبناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما يحمل مسبار الأمل رسائل فخر وأمل وسلام إلى المنطقة العربية ويهدف إلى تجديد العصر الذهبي للاكتشافات العربية.