يكشف التحقيق المثير في أكثر من 400 بصمة قدم بشرية من عصور ما قبل التاريخ في شرقي أفريقيا، أجراها علماء أميركيون، مظهرا جديدا ومثيرا على نحو استثنائي من علم الآثار.
ففي الماضي، كانت كافة المعلومات تقريبا عن ماضي العصر الحجري، السابق لمرحلة الزراعة، تأتي من دراسة الأحجار والأدوات الحجرية الأخرى، وبقايا الطعام، والهياكل أو الرفات البشرية، والمنحوتات العظمية والعاجية، وبالطبع الرسومات على الصخور والكهوف.
ولكن على مدى العقود الأربعة الماضية، وخصوصا على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، برز تخصص جديد مشتق من دراسة الآثار، أو "تخصص فرعي جديد" يتعلق بدراسة "آثار أقدام ما قبل التاريخ".
فمع تطور الخبرات التشريحية وخبرة الطب الشرعي، ازداد حجم المعرفة الجديدة التي يمكن استخلاصها من بصمات الأقدام المطبوعة على الصخور أو في الطين المتحجر، بحيث ظهرت آلاف المعلومات عنها على مدى السنوات الأخيرة.
وتمكّن هذه الطريقة الجديدة للكشف عن أسرار الماضي البعيد العلماء من استخراج معلومات تتعلق بالديناميات السلوكية والاقتصادية والاجتماعية للقدماء في فترة ما قبل التاريخ، والتي نادرا ما كانوا قادرين على الحصول عليها من أنواع أخرى من التنقيبات والدراسات والأعمال الأثرية.
فباستخدام تقنية المسح بالليزر ثلاثي الأبعاد، والمسح التصويري ثلاثي الأبعاد، وبرامج الكمبيوتر المتطورة ودراسة شكل الأرض أو "الجيومورفولوجيا"، أصبح الباحثون قادرين بشكل متزايد على إعادة بناء الحياة اليومية للأشخاص الذين عاشوا قبل الآلاف أو مئات الآلاف أو حتى ملايين السنين.
فبواسطة هذه التقنيات، أصبح بإمكان العلماء حاليا حساب مدى سرعة تحرك "صانعي البصمة" القدماء عبر مشهد معين، أو أوزانهم أو أطوالهم، بل وأعمارهم وما إذا كانوا متقاربين في السن، وفي كثير من الأحيان أي جنس كانوا على الأرجح.
والأكثر من ذلك، يمكن للمحققين في بعض الأحيان أن يحسبوا المسافات التي كان الفرد يقطعها، وحتى الإصابات التي لحقت بأقدامهم.
وكل هذه البيانات، عندما يتم تحليلها بالاقتران مع معلومات أثرية أكثر تقليدية، يمكن أن تساعد في كثير من الأحيان في تحديد أنواع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، التي شارك فيها صانعو بصمة الأقدام ما قبل التاريخ.
الجدير بالذكر أن أقدم آثار أقدام بشرية في العالم من لايتولي في تنزانيا الذي يعود تاريخه للعصر البليو-بليستوسين ويشتهر بآثار الأقدام شبه البشرية المحفوظة في الرماد البركاني، التي تعود إلى أكثر من 3 ملايين سنة.
كما عثر على آثار أقدام شبه بشرية في كينيا تعود إلى نحو 1.5 مليون سنة، وفق ما أفادت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
ويعود تأريخ أقدم بصمات أقدام في بريطانيا، عثر عليها في شرق أنغليا، إلى ما بين 800 ألف و1 مليون سنة مضت، مع نماذج بصمات أقدام في إيطاليا تعود إلى ما قبل 350 ألف سنة، وأخرى في جنوب أفريقيا تعود إلى نحو 120 ألف سنة مضت.
وفي غربي فرنسا، تمكن علماء الآثار حتى من دراسة آثار أقدام إنسان نياندرتال، أما في المكسيك، فيمكن أن تساعد بعض آثار بصمات الأقدام المطبوعات على الصخور، والتي يبلغ عمرها نحو 40 ألف سنة في تحديد تاريخ السكان الأصليين للأميركيتين.
ومع ذلك فقد تم اكتشاف آثار أقدام لفترات تسبق عصور ما قبل التاريخ خلال السنوات الأخيرة في كل من أستراليا ونيكاراغوا وناميبيا وكوريا الجنوبية والأرجنتين.
ولعل بصمات الأقدام الأثرية في ناميبيا توفر معلومات فريدة من نوعها، لأنها تكشف عن الأنشطة اليومية لمجموعة من الأطفال والمراهقين، بعضهم يبلغ من العمر 5 سنوات، الذين عندما تركوا آثار أقدامهم في الطين، كانوا مشغولين باللحاق بمجموعة من الماعز قبل 15 قرنا.
وتضمنت آثار الأقدام شبه البشرية في مطبوعات لايتولي التنزانية أيضا طفلا لم يحدد جنسه، يبدو بحسب علماء الآثار، أنه أو أنها كانت تلعب.