يضطر الأطباء إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن المرضى، في بعض الأحيان، لاسيما في أوقات الأزمات التي تشهد كثرة الإصابات مقابل نقص في المعدات والأدوية المطلوبة للعلاج.
وفي ظل انتشار فيروس "كورونا" الذي أصاب ما يقارب 400 ألف شخص في العالم، يتساءل أكاديميون وأطباء حول مواصفات المريض الأجدر بالأولوية في العلاج، حين يكون ثمة اكتظاظ غير طبيعي في المستشفى.
وذكرت تقارير أوروبية، مؤخرا، أن عددا من الأطباء نزعوا أجهزة التنفس الاصطناعي عن أشخاص مسنين حتى يسعفوا بها مرضى من الشباب.
لكن سؤال الأولوية ليس وليد اليوم، بحسب "نيويورك تايمز"، بل هو مطروح منذ عقود، لأن ميثاق الأخلاقيات في كل بلد أو منظومة صحية، هو الذي يحدد لمن يمارس المهنة الشخص الأولى بأن يعالج، حتى وإن كان الطبيب يتمتع بهامش من التقدير.
ويؤكد الباحث في جامعة كولورادو الأميركية، ماثيو وينيا، أنه من التهور وعدم المسؤولية ألا يكون الطبيب جاهزا لأن يتخذ قرارات حاسمة بشأن الأرواح التي يتوجب حفظها.
ويقول الباحث في كلية الطب التابعة لجامعة بوسطن، أوستن فراكت، إن المتعارف عليه هو أن الطبيب يمنح الأولوية للشخص الذي يتمتع بفرص أكبر للنجاة والحياة، حين تكون ثمة ضرورة إلى ترجيح مريض على حساب آخر.
القرار الصعب
وعلى سبيل المثال، إذا كان أمام الطبيب جهاز واحد فقط للتنفس الاصطناعي، مقابل مريضين اثنين، فإن المطلوب هو أن يمده إلى المريض الأقدر على النجاة، أما الميؤوس من حالته، فلن يحصل عليه.
ويشير الباحث إلى أن الأمور لا تجري اعتباطا، أي أنها تخضع لمنطق، لكن احتمال القرعة يظل واردا، كأن يكون هناك مريضان اثنان في الوضع نفسه، وعلى قدر متساو من حظوظ النجاة، لكن ليس هناك سوى جهازٌ طبي واحد يسمح بالإنقاذ.
وفي دراسة منشورة سابقا بمجلة "نيو إنغلند جورنال أوف ميديسين"، حاول باحثون أن يرتبوا أولوية المرضى، بدءًا بالأشخاص الأقدر على أن يعيشوا لمدة أطول، لكنهم أكدُوا أولوية الطواقم الطبية في الحصول على العلاج.
والسبب وراء هذا التمييز الإيجابي، هو أن الأطباء يستطيعون إنقاذ غيرهم، في أزمنة الأوبئة، وفي حال ماتوا من جراء المرض، سيلحق بهم كثيرون من المصابين لأنهم لم يجدُوا أحدا يداويهم.
وفي مقال آخر بصحيفة "نيويورك تايمز"، تساءل باحث بريطاني حول صواب منح الأولوية للشباب على على حساب المتقدمين من العمر، أي لماذا يجب مثلا أن نسخر الجهاز الوحيد المتاح لشاب في العشرين من دون أن نلتفت لرجل في الخمسين؟
وبمنطق الاقتصاد، يقول المدافعون عن أولوية الشاب، إنه على الطب أن ينقذ الشخص الذي سيستطيع الإنتاج والمساهمة في تطور البشرية، بعد الشفاء، طيلة عقود، بينما يقبل الشخص الخمسيني على التقاعد، أي أنه لن يساهم في خدمة البشرية لمدة أطول.
في المقابل، يرى الآخرون أن الاقتصاد يقضي بأن ننقذ الرجل الخمسيني لأنه راكم تجربة لم غير متأتية لدى الشاب، أي أن المجتمع في حاجة كبيرة إليه، بخلاف الشخص الأصغر سنا، لأنه ما يزال في طور التعلم والاكتساب.
في غضون ذلك، تقول وجهة نظر أخرى أن الأسلم هو إنقاذ الشاب الأصغر سنا، لأنه لم يعش بشكل كاف بعد، ولم يستفد من العمر المديد الذي أتيح للشخص المسن، لكن هذا التقدير يظل مشوبا بكثير من الانقسام.
ويؤكد المدير السابق للمركز الأميركي لمراقبة الأمراض والوقاية منها، توم فريدن، أن المطلوب في لحظة اتخاذ هذا القرار الطبي المفصلي هو أن يكون مبنيا على مبادئ، أي حماية الأوراح قدر الإمكان، من دون التفات إلى الجنس والعرق والدين والانتماء الإثني والرأس السياسي.