حظيت لاعبة التنس التونسية، أنس جابر، باستقبال شعبي حاشد، لدى وصولها تونس مساء الأربعاء، قادمة من لندن، عقب بلوغها المباراة النهائية لبطولة ويمبلدون الكبرى، السبت الماضي.
ودخلت أنس جابر المصنفة خامسة عالميا في ترتيب لاعبات التنس المحترفات، تاريخ كرة المضرب العربية، عندما أصبحت أول لاعبة عربية وإفريقية تصل المباراة النهائية لإحدى بطولات الغراند سلام.
ورغم خسارة اللقب أمام الكازاخستانية إليانا ريباكينا بمجموعتين لمجموعة واحدة في مباراة الدور النهائي، فإن "وزيرة السعادة" مثلما تلقب في تونس، تركت أطيب الانطباعات في ويمبلدون، ونالت إشادة عالمية عندما كتبت قصة ملهمة للآلاف من عشاق الكرة الصفراء في إفريقيا والعالم العربي.
وقبل أن تطأ قدماها القاعة الشرفية لمطار قرطاج بالعاصمة تونس، احتشد الآلاف من الجماهير التونسية أمام المطار، لاستقبال البطلة التي رفعوا صورها، مرددين أهازيج تتغنى بها وبإنجازها غير المسبوق في مسابقات الغراند سلام.
كما حضر والداها، رضا جابر وسميرة الحشفي، فيما كان في استقبالها الرسمي وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، ووزيرة المرأة آمال موسى، ووزير النقل ربيع المجيدي.
وفي الساحة الخارجية لمطار قرطاج، تجمع مشجعو جابر وعشاقها، احتفاء بما اعتبروه "إنجازا بطوليا" للاعبة تحولت في ظرف سنوات قليلة إلى أسطورة لرياضة لم تكن إلى وقت غير بعيد تحظى بمكانة تذكر في تونس.
وقالت جابر عقب وصولها إلى تونس: "لطالما فخرت بدعم الجماهير التونسية والعربية لي في كل المسابقات التي أخوضها. الكثير من المشجعين دعموني حتى عند خسارتي بعض المباريات والألقاب".
وتابعت: "أنا ابنة هذا الشعب، ونحت هذه المسيرة بعد سنوات من التعب، واليوم أشعر بسعادة كبيرة وأنا أحظى بهذا الاستقبال والحفاوة، مما سيدفعني لمزيد من الجهد من أجل أن أتوج يوما بلقب بطولة كبرى للتنس. لم أدخر جهدا للفوز السبت الماضي بدورة ويمبلدون، لكن بعض الأخطاء البسيطة جعلت مسيرتي تتوقف عند حدود النهائي".
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، تابعت اللاعبة التي لم تنفك عن احتضان والدتها وتحية جمهورها: "العمل سيتواصل من أجل النجاح في الاستحقاقات المقبلة. سأخوض دورات مسار الولايات المتحدة بدءا ببطولة سان خوسيه وصولا إلى دورة أميركا الكبرى".
وأكدت جابر على أن لديها "طموح كبير لتحقيق نتائج مشرفة"، مضيفة: "الحلم بدأ يكبر، لكن المنافسة تحتد وتصبح أقوى وأصعب، وهذا إحساس جميل ورائع يدفعني لمزيد العمل".
واستطردت نجمة التنس التونسية: "كلما شاركت في بطولة ازدادت ثقتي بنفسي وبالطاقم الذي يعمل معي. عائلتي أيضا منحتني ثقة كبيرة ودعمتني منذ خطواتي الأولى، ولا تزال تساندني ماديا ومعنويا حتى اليوم. أدين بهذا النجاح لعائلتي ولفريقي التدريبي وجمهوري".
من جانبها، أكدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة التونسية، آمال بلحاج موسى، أن جابر "تستحق كل الدعم والتشجيع لما حققته من مسيرة متميزة وأداء مشرف وباهر في بطولة ويمبلدون"، مشيدة بالنجاحات الرياضية التاريخية التي حقّقتها هذه البطلة على المستوى الدولي، مثنية بجهود الطاقم الفني والطبي المرافق لها.
وقالت بلحاج موسى: "أنس جابر هي نموذج يحتذى به، وقصة نجاح ملهمة للمرأة التونسية. إنها تستحق عن جدارة لقب وزيرة السعادة".
ووسط الآلاف من الجماهير، قالت والدة أنس التي كانت في استقبالها بالمطار: "لم نتردد لحظة في دعم أنس منذ أن بدأت تخطو خطواتها الأولى في ممارسة التنس. وقفنا إلى جانبها في البداية معنويا وشجعناها على الإيمان بإمكانياتها، ثم دعمناها ماديا".
وتابعت: "نحن، والدتها ووالدها وشقيقاها، كلنا نذرنا أنفسنا ووضعنا ما نملك لتحقق حلمها، بل حلم العائلة كلها، لأن رياضة التنس مكلفة جدا. لقد كان حلما جميلا أن تبلغ أنس هذه النتائج في بطولة كنا نتابعها فقط عبر وسائل الإعلام ونرصد فيها مشاركات نجوم اللعبة في العالم، اليوم أشاهد ابنتي وهي تبلغ الدور النهائي وتراهن على اللقب، فلا أعتقد أن هناك أروع من ذلك الإحساس".
وقالت سميرة الحشفي أمام وسائل الإعلام: "كنت شاهدة على مسيرة أنس وكنت أسافر معها وأرافقها في بعض البطولات. أفرح لانتصاراتها وأشد أزرها عند الهزائم، الدعم المعنوي مطلوب في رياضة التنس التي تتطلب الحضور البدني والمهارات، لكن أيضا الجانب الذهني والنفسي".
ودعت والدة النجمة التونسية الآباء إلى "دعم أبنائهم ومساندتهم عندما يفشلون"، قائلة: "الفشل ليس سوى بداية للنجاح. كنت أقف إلى جانب أنس عند الخسارة أكثر من دعمي لها بعد النجاح. أنا فخورة كوني والدة هذه البطلة التونسية".
وحول ما تداولته بعض وسائل الإعلام من تجاهل السلطات لجابر وعدم مساعدتها ماديا، قالت الحشفي: "الحقيقة أن الاتحاد التونسي لكرة المضرب دعمها في بعض المناسبات. الدولة قدمت لها منحة في حدود إمكانيات البلاد. نحن نعلم أن إمكانيات تونس متواضعة وما توفره دول أخرى لرياضييها لا يقارن بما تحصل عليه أنس، لكن الأهم أن ابنتي صنعت نجاحا لها ولوطنها".
وتخللت مسيرة جابر، المولودة في مدينة قصر هلال من محافظة المنستير، عدة عراقيل، فقد نشأت اللاعبة وسط عائلة متواضعة تتكون من أب وأم و3 أبناء هي أصغرهم، وكانت مولعة بالتنس منذ نعومة أظافرها، إذ كانت والدتها في نهاية التسعينيات من القرن الماضي لاعبة تنس هاوية في نادي التنس بالمنستير، وكانت تصطحب ابنتها ذات الأربع سنوات إلى ملاعب التدريبات، حيث كانت الطفلة تتكفل بمهمة جمع الكرات.
وعند بلوغها سن الخامسة، اختارها مدرب نادي التنس بحمام سوسة، نبيل مليكة، لتكون ضمن فريق البراعم وتبدأ بصقل موهبتها، لكن الصعوبات لم تفارق مسيرتها الرياضية، إذ كانت تضطر للتدرب في ملاعب كرة المضرب في النزل والفنادق بسبب عدم توفر ملاعب كافية في المدينة التي تقطن بها.
وفي سن الثامنة، بدأت جابر في المشاركة بدورات محلية للمبتدئات، وحققت نتائج لافتة شجعت والديها على دعمها لمواصلة الطريق، حيث سافرت للمرة الأولى إلى باريس وهي في العاشرة من العمر، حيث خاضت أول بطولة دولية لها.
واستمرت جابر في اللعب ضمن نادي حمام سوسة للتنس حتى بلوغها الثالثة عشرة، حين انتقلت للدراسة في المعهد الرياضي بالعاصمة تونس، للدراسة والتدريب وتطوير مهاراتها في اللعبة بنفس الوقت.
وبعد سنوات من المشاركات المتواضعة في دورات أغلبها غير مصنف ضمن مسار رابطة اللاعبات المحترفات، حققت اللاعبة التونسية نتائج مذهلة بين 2020 و2022، حيث بلغت ربع نهائي دورة أميركا المفتوحة في 2020، وربع نهائي بطولة ويمبلدون في العام الماضي، فضلا عن التتويج بلقب بطولة بيرمنغهام في يونيو 2021، وهو أول لقب في مشوارها الاحترافي.
وفي 2022، حققت جابر نقلة غير مسبوقة وأحرزت مكانة مرموقة في ملاعب الكرة الصفراء، عندما توجت بلقبين اثنين في بطولتي روما وبرلين، فضلا عن بلوغها نهائي بطولة مدريد المفتوحة، ونهائي بطولة ويمبلدون، إحدى البطولات الأربع الكبرى.