عاد شغب الملاعب ليلقي بظلاله الثقيلة على مباريات كرة القدم في المغرب، بعدما غابت هذه الظاهرة لنحو سنتين، بسب إغلاق الملاعب أمام الجماهير كإجراء للتصدي لجائحة كورونا.
وشهدت مباراة لكرة القدم، احتضنها مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، الأحد، أحداث شغب خلفت إصابات في صفوف الجماهير وقوات الأمن، كما ألحقت خسائر مادية كبيرة بمرافق الملعب، الذي يعد ضمن الملاعب الكبرى في البلاد.
وتعد هذه الأحداث الأولى من نوعها منذ إعادة فتح الملاعب أمام الجماهير في نهاية فبراير الماضي، لكنها ليست الأولى في سجل المدرجات المغربية، التي "تلطخت بالدماء" في السنوات الماضية بسبب "الهوليغانز".
وتحتفظ الذاكرة الكروية المغربية، بمآسي دامية مرتبطة بالشغب الرياضي، أبرزها ما يعرف بـ"السبت الأسود"، وهي أحداث الشغب التي شهدها ملعب محمد الخامس في الدار البيضاء في 19 مارس عام 2016، وقتل خلالها مشجعان وأصيب العشرات.
وسارع المغرب إلى وضع ترسانة قانونية للتقليل من العنف داخل المدرجات، لكن عدة تساؤلات تحوم حول مدى نجاعة هذه المقاربة في الحد من الجنوح المتزايد نحو العنف، لدى جمهور معظمه من القصر.
موقعة الرعب
ومع صافرة نهاية اللقاء الذي انتهى بإقصاء نادي العاصمة، الجيش الملكي، من منافسات كأس العرش بعد هزيمته أمام ضيفه المغرب الفاسي، اقتحم جمهور الفريق المنهزم، أرضية ملعب الأمير مولاي عبد الله، ليبدأ "مسلسل الرعب" الذي استكملت فصوله خارج أسوار الملعب.
وقد أظهرت لقطات فيديو تم تداولها على نطاق واسع بشبكات التواصل الاجتماعي، أشخاصا يتراشقون بالحجارة ويستهدفون قوات الأمن التي كانت حاضرة في الملعب، فيما قام آخرون باقتلاع كراسي المدرجات والعبث بالتجهيزات.
وسرعان ما انتقلت الجماهير إلى خارج أسوار الملعب، حيث تم تكسير عشرات العربات التي كانت متوقفة بالجوار، كما تم إضرام النار في دراجات نارية.
وقد أسفرت أعمال العنف عن إصابة أكثر من 100 من قوات الأمن، ونحو 60 مشجعا، بحسب حصيلة تناقلتها وسائل الإعلام.
في المقابل، اعتقلت الشرطة المغربية 160 متورطا في أعمال الشغب، من بينهم 90 قاصرا، حسب ما كشف عنه بيان للمديرية العامة للأمن المغربي، الذي أكد اشتباه الموقوفين في "ارتكاب أعمال الشغب المرتبطة بالرياضة، وحيازة أسلحة بيضاء، والسكر العلني البين، والتراشق بالحجارة وإضرام النار عمدا في مركبة".
ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة المعتقلين، لأن الشرطة تعمل حاليا على مراجعة كاميرات المراقبة للوصول إلى كل من ثبت تورطه في الأحداث.
قوانين زجرية
وغداة واقعة ملعب الأمير مولاي عبد الله، سارعت الجامعة المغربية لكرة القدم بإقرار جملة من العقوبات بحق فريق الجيش الملكي، حيث تقرر إجراء كل مباريات الفريق التي في عقر داره، دون جمهور، وذلك حتى نهاية الموسم الحالي، مع حرمان مشجعيه من التنقل لحضور لقاءاته خارج الرباط.
وعلاوة على ذلك، قررت الجامعة تغريم النادي جميع الخسائر المادية التي لحقت بالملعب، مع دفعه غرامات مالية لقاء سلوكيات جمهوره، وهي غرامات تقدر بآلاف الدولارات.
كما تم حرمان جماهير الفريق الضيف من حضور مباراتين لفريق المغرب الفاسي، مع إجبار الأخير على دفع غرامات لقاء تجاوزات قام بها مشجعوه.
وحرمان المشجعين من حضور المباريات، هو إجراء عقابي من ضمن إجراءات أخرى أكثر صرامة ينص عليها القانون الجنائي المتعلق بالعنف داخل الملاعب الرياضية.
وينص هذا القانون، الذي وضعه المشرع المغربي قبل نحو 12 عاما، على عقوبات بالسجن تصل إلى 5 سنوات في حق المتورطين في أعمال عنف، إضافة إلى غرامات مالية مع تشديد كاميرات المراقبة والأبواب الإلكترونية، ومنع القصر غير المرفقين من دخول الملاعب، ومنع التنقل الجماعي للجماهير خارج مدنهم إذا تبين أن هذا التنقل من شأنه أن يهدد الأمن العام.
وفي تعليقه على القانون، الذي تم تعديله لأكثر من مرة، يرى الباحث في السياسات الرياضية بالمغرب، منصف اليازغي، أن "أغلب فصول القانون لا تطبق بالشكل المطلوب".
ومن الأمثلة التي يسوغها الباحث، "عدم التعامل بجدية مع رفع لافتات وترديد شعارات تحرض على العنف داخل الملاعب، ومراقبة دخول القصر".
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد اليازغي أنه "غالبا ما يتم إطلاق سراح المتورطين في أعمال عنف تحت ذرائع مختلفة، مما يشجع الجماهير على العودة لارتكاب أعمال شغب".
ويدعو اليازغي إلى "وضع ميثاق موحد تتدخل فيه مختلف الأطراف الأمنية والرياضية والتربوية، لصياغة حل جذري للظاهرة".
"إساءة" للكرة المغربية
كما يعتبر اليازغي أن "الهوليغانز يسيئون بشكل كبير للكرة المغربية، لدرجة أن المغاربة أصبحوا يفضلون مباريات بمدرجات فارغة تجنبا لتكرار مثل هذه الأحداث الوحشية".
ويؤكد الباحث أن المؤسسات الكروية "يجب أن تضع إصلاح سلوكيات الجمهور في الملاعب، ضمن عملية إصلاح المنظومة الكروية بشكل عام. فماذا يعني أن تكون لديك ملاعب مجهزة وجميلة ولاعبين محترفين في ظل وجود جمهور مشاغب؟"
ويستحضر الباحث في هذا الإطار النموذج الإنجليزي، حيث تم وضع قوانين صارمة ساهمت بشكل كبير في الحد من ظاهرة شغب الملاعب التي ظهرت لأول مرة في بريطانيا وإيطاليا.
"التهييج" الجماعي
وبالنسبة للمختص في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، فإن الملاعب هي "أماكن مناسبة لتفريغ شحنة من العنف تكون داخل الجمهور اليافع الذي يأتي ليشاهد مباريات كرة القدم".
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، يعتبر بنزاكور أن "حالة التهييج الجماعي التي تحدث داخل الملاعب، تجعل الجماهير مستعدة للتورط في أحداث الشغب والعنف، بغض النظر عن نتيجة المباراة".
كما يعتبر أن "المسؤولية تلقى على عاتق المجتمع المغربي ككل، الذي فشل في إنتاج شباب قادر على ضبط مشاعره وسلوكياته، في ظروف كتلك التي تكون في ملاعب كرة القدم".
مسؤولية "الألتراس"
ومع تجدد أعمال الشغب، توجه أصابع الاتهام لمجموعات "الألتراس" (مجموعات المشجعين). ويضم المغرب إحدى أقوى المجموعات على الصعيد العربي، ويتعلق الأمر بـ"الألتراس" التابعين لناديي الرجاء والوداد البيضاويين التاريخيين.
ويرى الصحفي الرياضي، الحسن الجابري، أن هذه المجموعات "تضم مشجعين من فئات اجتماعية مختلفة، بعضهم لديه عصبية كروية، وبالتالي يصعب على مسيري المجموعات، في الغالب، ضبط سلوكيات جميع المشجعين".
وتم حل عدة مجموعات "ألتراس" سنة 2016 عقب أحداث الشغب الدامية التي عرفتها مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، كما تم منع رفع الشعارات واللافتات، قبل السماح بعودتها سنة 2018.