في سن السادسة كان المصري أحمد عدلي يجلس مع والده لاعب الشطرنج الهاوي، يرى تحركاته في اللعبة وكيف يحقق الفوز على الأقارب والأصدقاء، سؤال الطفل المستمر حينها عن كيفية اللعب جعل الأب يعلمه ليكون واحدًا من عمالقة الشطرنج في العالم.
"عدلي" الذي حافظ على لقبة بالتتويج ببطولة أفريقيا في الخامس من فبراير الجاري، يحكي لـ"سكاي نيوز عربية" أن والده هو معلمه الأول وصاحب الفضل في الوصول لتلك المكانة والفوز الدائم بالبطولات، فلولا دعمه في البداية وحبه لما كان له مكانه وسط العمالة.
يقول بطل أفريقيا إنّ "الوضع في 2020 كان صعبًا للغاية ولم تقم البطولة، وبسبب البعد والتدريب منفردًا كنت أتساءل عن مدى مقدرتي في الحفاظ على اللقب الذي حققته في 2019، لأدخل البطولة كمصنف ثان للفوز بها بعد المصري أيضًا باسم أمين".
5 أيام شاقة
على مدار 5 أيام -عمر البطولة- كان "عدلي" لا ينام تقريبًا، فهو يفكر في كل شئ يتعلق باللعب، وكيف سيلعب مباراته المقبلة، ويخاف من العوامل القدرية كانقطاع الإنترنت أو الكهرباء المفاجئ، ولكنه كان يطلب من الجميع الدعاء له بالتوفيق، منوهًا أن التنافس على المركز الأول والحفاظ على اللقب له طعم خاص.
وعلى مدار 9 مباريات هم عدد المباريات في البطولة تمكن اللاعب المصري من عدم الخسارة، حيث حقق الفوز في 6 مباريات وتعادل في 3 آخرين، مسجلًا 7 دنقاط ونصف جعلته يحصد الذهب منفردًا.
ويمتلك اللاعب المصري سجلًا حافلًا من الإنجازات في لعبة الشطرنج، حيث حصل مرتين على وسام الجمهورية للرياضة من الدرجة الأولى عام 2009 و2020، بجانب بطولة العالم للشباب عام 2007 التي تعتبر الذهبية الوحيدة في تاريخ مصر والعرب وأفريقيا في بطولة عالمية فردية، والتي نافس فيها 2494 لاعبًا.
وعلى مدار فترة انتشار فيروس كورونا والرعب المسيطر على الجميع، كان هناك قرارًا بعمل بطولة ستيجس لتكون أول بطولة كلاسيك على الإنترنت في التاريخ، غير أن المصري حاصد البطولات تمكن من الفوز بها أيضًا، بعد منافسة 224 لاعبًا من 57 دولة وتغلبه على الإسبانية سيسيليا جويلو لونجاريس.
لحظات الرعب النهائية
وقبيل انتهاء المباراة النهائية كانت الكفّة تُرجّح فوز الجزائري بلال بن حسن، حيث كان يحقق التقدم، يتحرك بشراسة، ليشعر "عدلي" بأن المباراة قد انتهت وراح الحلم، ولكن بمزيد من التركيز وثبات الأعصاب استطاع المصري الفوز في آخر المباريات وتحقيق لقب البطولة.
ويتحدث عدلي عن تلك المباراة، بأنه كان مضغوطًا للغاية فلا بديل عن الفوز لتحقيق اللقبل منفردًا، في الوقت الذي كان يتقدم فيه الجزائري بلال، ظننت للحظات أن المباراة قد انتهت، فعلى الرغم من فوزي عليه ثلاث مرات في السابق إلا أنه في هذه المباراة كان مستعدًا جيدًا، وحقق تقدمًا فريدًا بالفعل ولكن في النهاية بتوفيق الله ودعوات الجميع استطعت الفوز.
يحكي "عدلي" في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" أن بطل العالم الحالي ماغنوس كارلسن قد تغلب عليه في بطولة العالم للشباب التي فاز بلقبها قبل 13 عام، غير أن تلك السنوات جعلته أكثر احترافية لما يتمتع به فريق المساعد من قوة وهو ما يرجح كفته الآن في حال تقابلا سويًا.
قوة البطل المصري، وتكنيكه في اللعب وانبهار الجميع به، جعل بطل العالم في الشطرنج "ماغنوس كارلسن" يكتب عن "عدلي" على صفحته الشخصية على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، مشيدًا بطريقته في اللعب.
يقول كارلسون إنه عندما قابل عدلي في نهائيات عام 2006، بكى بحرقة عندما هزم البطل المصري.
موهبة حقيقية ونادرة
يقول أندريان ميخايلتشيشن، أحد المدربين العالمين في الشطرنج إن لدى عدلي "موهبة حقيقية نادرة، هو اللاعب الأفضل عربيا على الإطلاق.. إنه يمتلك ميزة واحدة يفتقدها للأسف العديد من اللاعبين المعاصرين تتمثل في القدرة على العمل لوحده بصفة كلية، ليأتيك في النهاية بأفكار شيقة غاية في الأهمية من دون أن يكون حوله لاعبون أقوياء للمساعدة في التحليل".
حديث ميخايلتشيشن يراه اللاعب المصري الآن مهما لكن يحتاج أيضا إلى تواجد المحللين "فهم يجعلونك تنافس عالميًا وباستمرار، وبدونهم لن تتمكن من مجاراة الوضع عالميًا، وإن حدث وفزت في مباراة ستخسر في أضعافها".
يضيف عدلي في حديثه مع "سكاي نيوز عربية" إن عُشر الإمكانيات التي تتوفر للمنتخبات واللاعبين الأهم في العالم لو توفرت للنماذج والعقول المصرية سيكون لهم تاريخ وتواجد في البطولات العالمية.
وفي بطولتي العالم للشطرنج الخاطف والسريع عام 2018 و2019، استطاع "عدلي" تحقيق ترتيب متقدم بين العمالقة الكبار، حيث حقق ترتيب السابع عشر عالميًا على الرغم من من ضعف الإمكانيات ولعبه منفردًا بدون أي دعم من المحللين.
وحاليا، يدير بطل إفريقيا أكاديمية وادي دجلة عدلي للشطرنج، وحصل من خلالها على 5 ميداليات عالمية و21 ميدالية أفريقيا و124 ميدالية دولية.