"الأسطورة" "النجم" أو"الفتى الذهبي" هكذا أبّن الجزائريون اللاعب الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، الذي فارق الحياة عن عمر ناهز 60 سنة.
وبمجرد إذاعة خبر وفاته امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصوره وفيديوهات له خاصة ما تعلق بزيارته الوحيدة إلى الجزائر عام 2013، وكان بذلك أول وآخر لقاء مباشر مع الجمهور الجزائري.
غصة من الحزن امتلكت الجماهير الجزائرية العاشقة للكرة المستديرة بعد سماعها نبأ رحيل أحد أعظم من حمل رقم 10 على الميدان الأخضر، "الساحر" مارادونا الذي خطف قلوب أجيال بفنياته وأهدافه، عبر مختلف البطولات التي لعبها واستطاع أن يثبت بها كأحد أبرز اللاعبين الذين أنجبتهم الرياضة الأكثر شعبية في العالم.
ونعت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم "الفاف" باسم جميع أفراد الأسرة الرياضية اللاعب الأرجنتيني، واصفة إياه بـ"أيقونة كروية"، ووجهت بذلك خالص التعازي للاتحاد الأرجنتيني للعبة وكل عشاق الراحل في الأرجنتين.
وجاء في تعزية اتحادية الكرة أن "الجزائريين سيبقون في أذهانهم وإلى الأبد ذكرى اللاعب الاستثنائي الذي تجاوز مجرد ملعب لكرة القدم".
الزيارة التاريخية
رحل اللاعب الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الكرة العالمية ولكنه سيبقى محفورا لدى ذاكرة الجزائريين، بالنسبة إليهم فالرجل ليس "فنانا" يعرف مداعبة الكرة وإنما لهذا اللاعب محطات مع الجزائر التي لعب ضد منتخبها في كأس العالم للشباب عام 1979 وزارها عام 2013 قبل أشهر من مونديال البرازيل الذي شارك فيه المنتخب الجزائري محققا الوصول إلى الدور الثاني.
قبل أشهر، نشر مارادونا على حسابه في موقع "إنستغرام" صور المباراة التي جمعته مع المنتخب الجزائري وحملت هذه الصورة الفريقان وهما يدخلان أرضية الملعب، ومعروف أن المباراة انتهت بخماسية لصالح رفقاء "دييغو" إلا أن النجم الأرجنتيني اعترف بقوة الفريق الجزائري للشباب آنذاك.
وخلال الزيارة الشهيرة التي أداها النجم الأرجنتيني إلى الجزائر عام 2013 بدعوة من السلطات بمناسبة حفل إطلاق الجيل الثالث للهاتف النقال، أعرب مارادونا عن افتخاره بزيارة الجزائر، قائلا: "أنا صاحب فكر تحرري ومعجب كثيرا بالثورة الجزائرية وما قامت به من أجل التحرر ومعجب بتعلق الجزائريين برايتهم وعاطفتهم القوية".
وعندما "أرهق" الفريق الجزائري "المانشافت" الألماني في ثمن نهائي كأس العالم 2014، اعترف مارادونا بأن المنتخب الجزائري "نجح في أن يؤكد جدارته ويشرف الكرة العربية كونه المنتخب العربي الوحيد المتواجد في المونديال بالأداء المتميز الذي يقدمه، وكانوا على قدر المسؤولية التي حملهم إياها الجمهور العربي العريض والذي يمني نفسه بأن يجد منتخبا يمثله في الأدوار التالية من البطولة".
قصة حب متبادلة
بين الجزائريين وفتى "بوينس آيرس" تسكن قصة حب متبادلة، فالأسطورة اللاتينية حفر مكانة لدى الجماهير الجزائرية المعروف عنها حبها الجنوني لكرة القدم وشغفها الكبير بمختلف نجوم المستديرة في العالم.
ويُرجع لطفي صاري أحد الصحفيين الرياضيين الذين التقوا مارادونا خلال زيارته إلى الجزائر عام 2013 العلاقة التي تربط الجزائريين بالنجم الأرجنتيني إلى عدة عوامل، من بينها أنه شبّه الكرة الجزائرية في إحدى المرات بالكرة التي تلعب في أميركا اللاتينية إضافة إلى معرفته الشخصية ببعض اللاعبين الجزائريين القدامى وعلى رأسهم رابح ماجر.
وأكد الصحفي الرياضي، لطفي صاري، لـ"سكاي نيوز عربية" أن الجزائري البسيط "يرى نفسه في مارادونا بالنظر إلى شخصيته القوية ومواقفه البارزة خارج المستطيل الأخضر، إضافة إلى أنه ابن حي شعبي كغالبية الجزائريين، ثم إنهم لا يمكن أن ينسوا ما فعله هذا اللاعب مع نابولي في البطولة الإيطالية في فترة التسعينيات التي كانت تعتبر آنذاك جنة كرة القدم الأوروبية".
وأضاف صاري أن "دييغو مارادونا كان حاضرا في مونديالي إسبانيا والمكسيك 1982 و1986 على التوالي اللذين شارك فيهما المنتخب الجزائري لأول مرة وحقق نتائج جيدة".
من جهته، اعتبر أسطورة كرة القدم الجزائرية، رابح ماجر، رحيل صديقه مارادونا "أمرا محزنا"، وجاء في شهادة صحفية قدمها ماجر: "أعرف مارادونا شخصيا منذ عام 1988، أول مرة التقيته كانت بمناسبة مباراة اعتزال النجم الفرنسي، ميشيل بلاتيني". متأسفا لعدم تواجده في الجزائر، حينما زارها مارادونا نهاية عام 2013، مؤكدا أنه يحترم الكرة الجزائرية كثيرا.
وأردف نجم "بورتو": "كانت لي حادثة طريفة معه حينها، لأننا كنا نلعب في نفس الفريق، حيث تقدمت دون قصد لاعبي فريقنا قبل الدخول للملعب، رغم أن مارادونا كان هو القائد، ولما اكتشفت الأمر عدت للخلف وطلبت منه التقدم، لكنه اعتذر وقال لي بلطف: لا يهم تقدم أنت الأكبر سنا، بيد أنني اقنعته في النهاية".
معشوق الأجيال
وفي الأحياء الشعبية في الجزائر العاصمة حيث تختلط ذكريات الأجيال، ما زال من عاصروا مارادونا وهو يجول ويصول داخل المستطيل الأخضر يحتفظون بصور جميلة عن هذا اللاعب الأسطوري الذي استطاع القفز على الزمن وكسب احترام الجميع.
ويقول مصطفى الرجل الستيني وابن حي باب الواد الشعبي لـ"سكاي نيوز عربية"، وهو الذي شهد فترة توهج هذا اللاعب في الميادين في الثمانينات وبداية التسعينات: "في جيلنا كنا نرى مارادونا أسمى ما أنجبت الكرة العالمية.. كان بحق أسطورة، كنا خلال مباريات ما بين الأحياء ونحن شباب نطلق أسماء اللاعبين المشهورين آنذاك على بعضنا البعض".
ويواصل الرجل (مبتسما): "القليل منا من كان يتحصل على شرف حمل اسم مارادونا.. لا بد أن تكون بمستوى هذا اللاعب الخارق.. بحق إنه رمز كروي نادر تكراره مرتين".
في حين أن شابا ثلاثينيا لم يسعفه الحظ في متابعة النجم الأرجنتيني على المستطيل الأخضر نظرا لصغر سنه، لم يمنعه هذا الأمر من القول: "شاهدت مارادونا عبر الفيديوهات والمباريات المسجلة.. بصراحة هذا اللاعب لا يموت.. إنه ملحمة كروية".