أنعشت حالة الفوضى التي شهدتها تونس عقب إطاحة الرئيس السابق زين العابدين بن علي مطلع عام 2011، الحركات الإرهابية، وأبرزها ما يسمى "السلفية الجهادية"، التي كانت في حالة "جنينية" حتى مطلع تسعينات القرن الماضي.
ويقول هادي يحمد، الصحفي التونسي المختص في شؤون الحركات الإسلامية، لـ"سكاي نيوز عربية"، "إن الانفلات الأمني ما بعد الثورة، شجع جماعات السلفية الجهادية على التحرك بسهولة، والسيطرة على العديد من المساجد، وتنظيم أنشطة بالشوارع".
وأشار يحمد، الذي صدر له مؤخرا كتاب "تحت راية العُقاب.. سلفيون جهاديون تونسيون"، إلى أن "غض الطرف من جهة حركة النهضة، التي كانت تقود الحكومة منذ 2011 وحتى 2014، ساهم بشكل كبير في انتشار التيار السلفي في مختلف أرجاء البلاد".
أول مؤتمر
وتمثلت هذه "البحبوحة السياسية" للتيار السلفي، في عقد أول مؤتمر له في مدينة سكرة بضواحي العاصمة تونس في أبريل 2011، تلاه مؤتمر آخر في القيروان، وسط البلاد، في الشهر نفسه عام 2012.
أما أولى العمليات الإرهابية التي تورط فيها عناصر من التيار السلفي، فكانت في أبريل 2011، وقتل فيها أحد رجال الأمن، في منطقة الروحية غربي البلاد، تبعها مقتل عنصرين من تنظيم "أنصار الشريعة"، خلال عملية تهريب سلاح عبر الحدود مع ليبيا، جنوبي شرقي البلاد، عام 2012.
ثم تتالت بعدها العمليات الإرهابية، التي اتهم بتدبيرها عناصر من التيار السلفي، واستهدفت شخصيات سياسية بارزة مثل شكري بلعيد في فبراير 2013، ومحمد البراهمي في يوليو 2013، "وغيرت المسار السياسي للثورة التونسية"، بحسب يحمد.
الفكر المسلح
ويرجع يحمد بالذاكرة التاريخية التونسية إلى عام 2007، حين قتلت السلطات أفراد خلية إرهابية كانت قادمة من الجزائر، إثر اشتباكات معها في جبل برنق، في ضواحي العاصمة، في "أول مواجهة علنية مع الجماعات الإرهابية".
وفي مؤشر على تجذر "الفكر المسلح" لدى الجماعات الإرهابية في تونس، أشار يحمد إلى تفجير المعبد اليهودي في جربة، جنوب شرق تونس، (معبد غريبة) في أبريل عام 2002، ليتبين لاحقا أن منفذه نزار نوار، الذي تلقى تدريبا في معسكرات القاعدة في أفغانستان.
إلا أن يحمد لا يعتبر أن "السياق السياسي" -لا سيما "قمع الإسلام السياسي"- يمكن أن يفسر منفردا "تغول السلفية الجهادية"، فإلى جانب البعد السياسي، هناك العامل الاقتصادي، ممثلا في الفقر، إضافة إلى غياب الوعي.
فقر الضواحي
وفي هذا السياق يوضح يحمد، أن حي "دوار هيشر" الفقير، في ضواحي العاصمة تونس، يعد من أبرز الأحياء التونسية التي "صَدّرت" تونسيين للقتال في العراق وسوريا في صفوف داعش.
كما يشير الصحفي التونسي إلى بعد ثقافي، برز بشكل أوضح بعد الثورة عام 2011، في صورة توجه أفضى إلى التشدد في صفوف كثير من الشباب، ويتعلق تحديدا باعتبار أن "تطبيق الشريعة يمثل حلا لكل مشاكلهم انطلاقا من مخزونهم الثقافي".
ورغم تراجع نشاط التيار السلفي خلال فترة حكومة مهدي جمعة (يناير 2014-فبراير 2015)، بشكل كبير، إلا أن يحمد لا يخفي قلقه من "الخلايا النائمة" لهذا التيار، الذي ما زال يتحصن متشددوه قرب الحدود مع ليبيا.