في ظل التطورات الأخيرة على الساحة السورية، برزت زيارات متتالية للوفود الغربية إلى سوريا، والتي أثارت تساؤلات حول دوافعها ومآلاتها، خصوصاً مع استمرار تصنيف الغرب لـ"هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية. فهل يُعد هذا الانفتاح الغربي متسرعا، أم أنه مشروط بمحددات سياسية واستراتيجية؟.
ترافقت هذه الزيارات مع تصريحات متباينة من العواصم الغربية. ففي الوقت الذي أكدت فيه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالس، أن زيارة الوفد الأوروبي إلى دمشق لا تعني فكّ عقدة العقوبات المفروضة، وصفت فرنسا السلطة الجديدة بأنها "سلطة أمر واقع".
كما أرسلت باريس وفدا إلى دمشق لأول مرة منذ 12 عاما، مشددة على ضرورة "دعم السوريين خلال المرحلة الانتقالية".
في المقابل، أبدت إيطاليا بقيادة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني استعدادا للتواصل مع الحكومة المؤقتة، ووصفت سقوط نظام الأسد بأنه "نبأ سار"، داعية في الوقت نفسه إلى "الحذر" تجاه الوضع المستجد في سوريا.
تفسيرات ومحددات الموقف الأوروبي
الأكاديمي والباحث السياسي جان بيير ميلالي، أوضح خلال حديثه للظهيرة على سكاي نيوز عربية، أن أوروبا تتعامل بحذر مع الوضع الجديد في سوريا، مشيرا إلى وجود محددات واضحة للتعامل مع السلطة الجديدة، مثل "احترام حقوق الأقليات وبناء دولة مواطنة".
وأضاف ميلالي أن هناك مصالح اقتصادية وجيوسياسية تحرك الموقف الأوروبي، خصوصا في ظل الحضور الأميركي العسكري في المناطق الغنية بالنفط في الشمال الشرقي السوري، مما يعقد المشهد.
وأشار ميلالي إلى أن تركيا قد تسعى للتنسيق مع السلطة الجديدة في دمشق لحشدها ضد الأكراد، معتبرا أن "المواجهة بين الحكومة الانتقالية وبين الإدارة الذاتية الكردية تبدو حتمية"، ما يعزز من تعقيد العلاقات الغربية التركية في سوريا.
من جانبه، أكد مدير مركز إسطنبول للفكر بكير أتاجان أن تركيا تتمتع بأولوية جغرافية وتاريخية تجعلها معنية أكثر من غيرها بالشأن السوري.
وقال أتاجان للظهيرة: "تركيا ليست كالدول الأوروبية التي تتعامل مع سوريا من منطلق مصالحها فقط؛ فنحن جيران لسوريا ونرتبط بمصير مشترك".
وانتقد أتاجان التحركات الأوروبية، معتبرا أنها تأتي في سياق محاولة "تقسيم كعكة النفوذ" في سوريا، مع تجاهل معاناة الشعب السوري.
وأضاف: "إذا كان للغرب وأميركا حق التدخل، فمن حق تركيا أيضا أن تلعب دورا أكبر في ترسيم المشهد السوري بحكم القرب الجغرافي والمصالح المشتركة".
بين الانفتاح والحذر
التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أثارت الجدل مجددا حول الدور التركي في سوريا، إذ وصف تحركات أنقرة بأنها "عملية استيلاء غير ودية"، مشيرا إلى أن "تركيا ستمتلك مفتاح ما سيحدث في سوريا مستقبلا".
يبقى الانفتاح الغربي على السلطة الجديدة في سوريا مرهونا بمحددات وشروط دقيقة، تتراوح بين المصالح الاقتصادية والهموم الأمنية.
وفيما تتسابق الدول الأوروبية لإعادة تموضعها في سوريا، يظل الموقف التركي حاسما ومؤثرا، خصوصا مع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي حول مستقبل البلاد.