تعيش سوريا لحظة فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي، حيث تبرز تحديات معقدة ومتشابكة مع بدء تشكيل حكومة انتقالية جديدة.
في هذا السياق، تتوجه الأنظار نحو آفاق المرحلة الانتقالية ومدى قدرة الأطراف الفاعلة على تحقيق استقرار دائم يعيد بناء الدولة ويضمن وحدة الأراضي.
يشير الباحث في مركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، إلى أن الوضع الحالي ليس مجرد انتقال بين حكومتين، بل انتقال من "حالة الدولة إلى حالة الثورة"، مما يتطلب جهودا لإعادة بناء مؤسسات الدولة وإنهاء فوضى السلاح.
ويؤكد الزغول أهمية صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن حقوقا متساوية لجميع المواطنين ويعيد التوافق حول مفهوم الدولة الوطنية.
كما يحذر من مخاطر فرض برامج جاهزة مسبقًا، معتبرا أن ذلك قد يشبه الانقلاب على إرادة المجتمع.
الزغول يشدد أيضًا على ضرورة الالتزام بالشرعية الدولية، خاصة القرار 2254، الذي يركز على الحوار الوطني وصياغة دستور شامل.
كما يعتبر أن الحدود الجغرافية السورية محسومة دوليًا، مما يبدد مخاوف التقسيم، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على الوطنية وعدم الوقوع تحت رعاية إقليمية جديدة، سواء تركية أو إيرانية.
الأدوار المتوقعة للفصائل والقيادات
أما الأكاديمي والبرلماني السوري السابق، محمد حبش، فيرى أن تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة محمد البشير يعكس تسارعًا في خطوات الهيئة لتحقيق سيطرتها السياسية.
ورغم الإنجازات التي حققها البشير في إدلب خلال فترة حكمه القصيرة، يشير حبش إلى أن اتخاذ قرارات متسرعة دون اعتماد الشورى بشكل كامل قد يؤدي إلى تعقيد المشهد.
حبش يشدد على أن سوريا وطن متعدد، ويجب على الحكومة الانتقالية الاستفادة من التنوع والطاقات لتحقيق التنمية الشاملة.
ومع ذلك، يشير إلى أن التنافس على النفوذ بين الفصائل قد يعرقل الجهود المبذولة لتوحيد البلاد.
من جانبه، يرى الخبير في الجماعات المتشددة بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، علي بكر، أن هيئة تحرير الشام تمثل تيارًا دينيًا يسعى للسلطة بناءً على رؤية أيديولوجية دينية ترى في نفسها نموذجًا للإسلام الصحيح.
ومع ذلك، يثير بكر مخاوف بشأن قدرة الهيئة على إدارة دولة متعددة ومتنوعة مثل سوريا، خاصة مع تباين تصوراتها عن مفهوم الدولة مقارنة بالفصائل الأخرى.
يشير بكر إلى أن محمد الجولاني، يلعب دورا محوريا من خلف الكواليس، فيما يبقى محمد البشير في الواجهة، لكنه يؤكد الحاجة إلى قيادات تكنوقراطية ذات خبرة اقتصادية لإعادة بناء مؤسسات الدولة المتضررة.
ملامح سوريا المستقبلية
تبدو المرحلة الانتقالية في سوريا مليئة بالتحديات والفرص على حد سواء. الإجماع بين الخبراء يتمحور حول ضرورة بناء دولة حديثة تعتمد على الوطنية والشمولية، مع الالتزام بالشرعية الدولية.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى قدرة الأطراف الفاعلة، بما فيها هيئة تحرير الشام، على تحقيق هذه الرؤية في ظل تعقيدات المشهد السياسي والأمني.
بينما تسعى الحكومة الانتقالية الجديدة لإثبات قدرتها على قيادة البلاد، تواجه سوريا معركة طويلة لإعادة بناء مؤسساتها وضمان الاستقرار، وهو ما يتطلب توافقًا داخليًا ودعمًا دوليًا لتجاوز المرحلة الحرجة.