مع انتهاء الاحتفالات بسقوط نظام بشار الأسد، يواجه القادة الجدد في سوريا تحديات شاقة لتحقيق الاستقرار في بلد متنوع الفصائل والانتماءات. إذ يحتاج إلى مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات لإعادة الإعمار، في ظل صراعات إقليمية ودولية متشابكة.
عودة التطرف
انطلقت الحرب الأهلية السورية عام 2011 كنتيجة لانتفاضة شعبية ضد نظام الأسد، لتتحول إلى نزاع دموي أودى بحياة مئات الآلاف ودمر مدنًا كاملة. اجتذبت هذه الحرب قوى دولية، مثل الولايات المتحدة وتركيا، إلى جانب مجموعات مسلحة متعددة، من الأكراد إلى الإسلاميين.
ويشكل خطر عودة ظهور تنظيم داعش أحد أبرز التحديات، حيث فرض التنظيم في ذروته حكمًا ترهيبيًا في أجزاء واسعة من سوريا والعراق. ووفقًا لمسؤولين أميركيين تحدثوا إلى وكالة رويترز، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تتابع التطورات عن كثب، لكنها لم تعدل مواقع نحو 900 جندي أميركي ما زالوا موجودين في سوريا حتى الآن.
انسحاب حزب الله وغموض مصير الأسد
أكد مصدران أمنيان لبنانيان لرويترز أن جماعة حزب الله سحبت قواتها من سوريا مع اقتراب قوات المعارضة المسلحة من العاصمة دمشق، ما يمثل تغيرًا استراتيجيًا بعد دعم الحزب لنظام الأسد طوال سنوات الحرب.
في الوقت نفسه، أفاد ضابطان كبيران في الجيش السوري بأن الأسد غادر دمشق على متن طائرة إلى وجهة غير معلومة، بينما لم يتحدث الأسد علنًا منذ التقدم السريع للمعارضة. أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الأسد "ترك منصبه وأصدر أوامر بتسليم السلطة سلميًا".
على صعيد آخر، أكد ائتلاف المعارضة السورية في بيان أن الثورة انتقلت من مرحلة إسقاط النظام إلى "مرحلة بناء سوريا بشكل يليق بتضحيات شعبها".
دعا رئيس الوزراء محمد غازي الجلالي إلى إجراء انتخابات حرة، معربًا عن استعداده للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب السوري. كما أشار إلى تواصل مع هيئة تحرير الشام لبحث إدارة المرحلة الانتقالية، مما يمثل تطورًا ملحوظًا في صياغة المستقبل السياسي للبلاد.
من جانب آخر، أدى مقتل قادة بارزين في حزب الله اللبناني خلال ضربات إسرائيلية على لبنان إلى إضعاف ركائز الأسد الأساسية، بينما انصب تركيز روسيا على حربها في أوكرانيا، مما قلل من دعمها لسوريا.
التحديات الإقليمية والدولية
اجتذبت الحرب السورية قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، وأتاحت مجالًا للجماعات المتشددة لتخطط لهجمات دولية، كما دفعت ملايين اللاجئين إلى دول الجوار. ومع تقدم المعارضة المفاجئ في نوفمبر الماضي، برزت مخاوف حول مستقبل البلاد في ظل وجود هيئة تحرير الشام، التي كانت ترتبط سابقًا بتنظيم القاعدة.
وأشار الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي إلى أن "سوريا تواجه خطر تحولها إلى دولة إسلامية متشددة، مما قد يؤثر سلبًا على المنطقة بأكملها". وأكد دانيال شابيرو، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي، أن الولايات المتحدة ستبقي على وجودها في شرق سوريا لمنع عودة تنظيم داعش.
وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى توخي الحذر لمنع "المنظمات الإرهابية من استغلال الوضع".
الانتقال السياسي
يُعد الانتقال السياسي في سوريا اختبارًا صعبًا. وقال جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما: "السؤال الجاد هو مدى إمكانية أن يكون هذا الانتقال منظماً وسلساً. الجولاني يتطلع إلى أن يكون انتقالاً منظماً"، مشيرًا إلى أن إعادة الإعمار ستتطلب رفع العقوبات وتوفير دعم دولي.
وقال ائتلاف المعارضة السورية "الائتلاف الوطني السوري"، يوم الأحد، إنه يعمل على تشكيل هيئة حكم انتقالية تحظى بسلطات تنفيذية كاملة.
وأوضح الائتلاف في بيان على منصة إكس: "يؤكد الائتلاف الوطني على أنه يعمل من أجل تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة، بمشاركة جميع القوى الوطنية دون إقصاء، للوصول إلى سورية حرة ديمقراطية تعددية".
وقال هادي البحرة زعيم المعارضة السورية في الخارج لرويترز على هامش منتدى الدوحة اليوم الأحد إن سوريا يجب أن تشهد فترة انتقالية مدتها 18 شهرا لتوفير "بيئة آمنة ومحايدة وهادئة" من أجل إجراء انتخابات حرة.
رغم ذلك، هناك مخاوف من أن تمثل هيئة تحرير الشام تهديدًا أيديولوجيًا في المنطقة، في ظل مخاوف من فرض حكم إسلامي ديكتاتوري أو تنفيذ عمليات انتقامية.
إسرائيل
وفي إطار ردود الفعل العسكرية، استهدفت غارات جوية، يشتبه بأنها إسرائيلية، مواقع في دمشق وقاعدة خلخلة الجوية، حيث أشارت مصادر إلى أن الهدف كان منع وقوع أسلحة متطورة في أيدي الجماعات المتشددة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد، انهيار اتفاق "فض الاشتباك" لعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأنه أمر الجيش بـ"الاستيلاء" على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، وذلك عقب سقوط الرئيس بشار الأسد.