أثار إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على فض حكومة الحرب المؤلفة من خمسة أعضاء، تساؤلات بشأن التداعيات المنتظرة سياسيا في الداخل الإسرائيلي، وعسكريا لهذا القرار على مسار الحرب في قطاع غزة.
ويرى محللون إسرائيليون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن نتنياهو أراد التحرر من الضغوط التي مارسها عليه الشركاء المتشددين في ائتلافه، وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش لضمهما إلى المجلس الحربي بعد استقالة الوزير السابق بيني غانتس، في حين أن من شأن تلك الخطوة أن تزيد التوتر مع الحلفاء الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي طالما دعت رئيس الوزراء لإجراء تعديلات على حكومته.
ماذا حدث لحكومة الحرب؟
قالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن نتنياهو أبلغ وزراء الكابينت بإلغاء مجلس الحرب، بعد انسحاب كل من بيني غانتس وغادي آيزنكوت قبل أيام، وخاصة بعد طلب بن غفير وسموتريتش الانضمام للمجلس، حيث قال لهم إن "مجلس الحرب ملغي".
وجرى تشكيل مجلس الحرب بعد انضمام غانتس إلى نتنياهو في حكومة وحدة وطنية بعد وقت قصير من بداية الحرب وبالتحديد يوم 11 أكتوبر من العام الماضي، حيث تألف من رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير دفاعه يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان السابق، بيني غانتس، إضافة إلى قائد الأركان السابق، غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر كمراقبين.
ومع مضي الحرب نشب العديد من الخلافات الداخلية بحكومة الحرب، وخاصة بين نتنياهو وغالانت من جانب، ونتنياهو وغانتس وآيزنكوت من جانب آخر، بشأن المفاوضات وإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
ومع اشتداد تلك الخلافات، أعلن عضوا مجلس الحرب غانتس وآيزنكوت استقالتهما من حكومة الطوارئ، ووجها الدعوة لنتنياهو لإجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن.
ووفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن نتنياهو أبلغ وزراءه مساء الأحد، بحل حكومة الحرب، وأنه سيواصل التشاور مع غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ووزير الداخلية أرييه درعي.
وأوضحت صحيفة "هآرتس" أن بعض القضايا التي ناقشها مجلس وزراء الحرب سابقا سيتم نقلها الآن للمناقشة في مجلس الوزراء الأمني، "لكن القرارات الحساسة ستتم معالجتها في منتدى تشاوري أصغر".
وعلى هذا المنوال، أوضحت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن "الحل كان متوقعا، حيث كان بن غفير يضغط لإضافته إلى المجلس"، ومع ذلك من المتوقع أن يتخذ نتنياهو قرارات حاسمة بشأن الحرب خلال اجتماعات مصغرة بدون وزير الأمن القومي، قبل أن يسعى للحصول على موافقة نهائية من مجلس الوزراء الأمني الأوسع.
تداعيات محتملة
قال المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، إن "مجلس الحرب ليس له أي صبغة قانونية في القانون الإسرائيلي، ومن ثم فإن حله لا ينطوي على أبعاد دستورية".
وأوضح غانور قال في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مجلس الحرب جرى تشكيله بصورة استثنائية بعد انضمام غانتس وكتلته لحكومة الطوارئ في حرب غزة، ورغبة نتنياهو في إضفاء صبغة خاصة على الإجراء الائتلافي السياسي لرفع المعنويات وتحييد العناصر السياسية المتشددة من أمثال بن غفير وسموتريتش من اتخاذ القرارات العسكرية التي يفتقران للخبرة فيها
وأضاف أنه مع انسحاب غانتس قبل أيام، بات هذا الإطار "غير مناسب لوجوده" بحسب غانور، الذي أضاف أن نتنياهو مع ذلك يحافظ على إطار تشاوري ضيق وبديل لمجلس الحرب بعضوية وزير الدفاع ووزير الشؤون الاستراتيجية وكلاهما من الليكود، مع أرييه درعي رئيس حزب شاس المتدين.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن الإطار الجديد قد يضع الخطوط العريضة للتحرك السياسي والعسكري لإسرائيل، ثم تعرض قراراته على المجلس الوزاري المصغر الذي يتمتع فيه نتنياهو بأغلبية الأصوات فيه لتمرير القرارات.
وتابع قائلا: "بهذا يواصل نتنياهو التحكم وبصورة انفرادية بقرار الحرب والسلم، تحت جناح القانون".
ضغوط بن غفير وسموتريتش
ويعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان، أن الضغوط التي مارسها بن غفير وسموتريتش دفعت نتنياهو لاتخاذ قرار حل حكومة الحرب.
وقال نيسان في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، "جهات أمنية في إسرائيل حذرت نتنياهو من انضمام بن غفير وسموتريتش لحكومة الحرب، خشية تسريب كل ما يطرح في المجلس الحربي عن طريقهما، ولذلك سعى لقطع الطريق عليهما وإقامة مجلس استشاري أو "مطبخ" كما كان في عهد غولدا مائير وإسحاق رابين"
وأشار إلى أن نتنياهو تخوّف أيضا من ضم الوزيرين المتشددين لأن مواقفهما تتعارض في كثير من الأوقات مع مصالح إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتالي حاول رئيس الوزراء الابتعاد عن إثارة أي أزمات مع واشنطن في هذا التوقيت الحرج.
ومع ذلك، يرى "نيسان" أن المجلس الموسع سيكون مخولا لاتخاذ القرارات الحاسمة فيما يتعلق بحرب غزة والتصعيد على الجبهة الشمالية مع حزب الله، في حين ستكون الأمور أفضل لنتنياهو الذي يحظى بأغلبية داخل المجلس على عكس حكومة الطوارئ التي طالما وجد معارضة لقراراته داخلها.
انسجام القرارات
بدوره، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآب شتيرن، أن الوزير "بن غفير" لم يعد مستعدا لأن يبقى خارج مراكز اتخاذ القرار في إسرائيل، وبالتالي فالقرار جاء "سياسيا" لأن نتنياهو فهم أنه لم يعد لديه إمكانية سياسية لأن يبقى في المجلس لكي ينفرد في اتخاذ القرار، خاصة أن الوضع تغير عما كان عليه بعد أحداث السابع من أكتوبر.
وعن التداعيات المحتملة، قال شترين لسكاي نيوز عربية، إن "الوضع يعود إلى طبيعته وليس هناك تبعات وتداعيات كبيرة على الصعيد السياسي أو العسكري، فتلك الخطوة تنسجم مع المسار الذي يمضي فيه نتنياهو مؤخرا، وتعكس الوضع السياسي الراهن".
وهذا ما أشارت إليه صحيفة "الغارديان" البريطانية، التي قالت إنه من غير المرجح أن يكون لحل حكومة الحرب أي تأثير ملموس على الصراع، إذ ستعود عملية صنع القرار إلى مجلس الوزراء الأمني، لكن التداعيات السياسية قد تكون أكثر أهمية.
وأوضحت الصحيفة أن "هذه الخطوة هي ازدراء متعمد لحلفاء نتنياهو اليمينيين المتطرفين في الائتلاف، بما في ذلك بن غفير، الذي كان يسعى للحصول على مقعد في حكومة الحرب منذ رحيل غانتس بعد أن اشتكى من تهميشه لاتخاذ قرارات رئيسية".
واعتبر "شتيرن" أن إلغاء مجلس الحرب يعني إعادة الصلاحيات للمجلس الأمني الموسع وفقًا للقانون "وطالما ما كان هناك تفويض لرئيس الوزراء باتخاذ قرارات حتى لو بشكل منفرد".