فتح اغتيال إسرائيل للقيادي العسكري البارز في حزب الله، طالب عبدالله بغارة ليلاً في جنوب لبنان، الباب أمام تساؤلات بشأن سبب الانكشاف الاستخباراتي العميق الذي يعيشه الحزب أمام توالي الاستهدافات الإسرائيلية بشكل لافت منذ حرب غزة المستمرة منذ نحو 9 أشهر.
يتفق خبراء من لبنان وسوريا تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية"، على أن نجاح الاغتيالات الإسرائيلية هو "نتاج انكشاف استخباراتي لحزب الله، أمام قدرات تل أبيب الاستطلاعية الكبيرة سواء عن طريق أجهزة متطورة في الرصد، أو المسيرات أو العملاء المحليين.
وكانت أحد أبرز أسباب استمرار ذلك الاختراق يعود للجبهة السورية، نتاج "سنوات استمرار تواجد حزب الله في قتال شبه منظم داخل سوريا والذي ساهم في إخراج العديد من قياداته وعناصره تحت أضواء المسرح العملياتي وجعل قياداته وخططه وعناصره منكشفة أمام الرصد الإسرائيلي"، وفق تقدير خبير عسكري سوري.
انكشاف جديد
الأربعاء، أكد الجيش الإسرائيلي، أنه قتل طالب عبدالله، القيادي الكبير في حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى 3 مقاتلين آخرين من الجماعة في غارة على مركز للقيادة والتحكم في جنوب شرق لبنان.
وردا على مقتل عبدالله، أطلق حزب الله عشرات الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل في تصعيد كبير للصراع الذي شهد تبادلا شبه يومي لإطلاق النار بينهما منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر الماضي، أسفر عن مقتل 300 عنصر من الحزب على الأقل.
وخلال تشييع جنازة عبد الله في الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل حزب الله، توعّد رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين، الأربعاء، بزيادة العمليات ضدّ اسرائيل "كما ونوعا".
وفي 4 يونيو الجاري، كشف الجيش الإسرائيلي، في بيان، عن دور وحدة الاستخبارات الميدانية 869" التابعة للفرقة 91 ، لافتة إلى أنها المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية متعددة الأبعاد في منطقة الحدود اللبنانية، وتحديد عناصر حزب الله، وأخيرا تحقيق مهمتها المتمثلة في القضاء على التهديدات الإرهابية".
وكشف أنه "منذ بداية الحرب، حددت الوحدة هوية أكثر من 100 إرهابي ومن خلال معلومات استخباراتية دقيقة وعالية الجودة، تم القضاء عليهم بالتعاون مع القوات العاملة على الأرض وسلاح الجو الإسرائيلي والمدفعية".
ومن أبرز قادة حزب الله الذين قتلوا، بسبب العمليات الإسرائيلية إسماعيل يوسف باز: قائد القطاع الساحلي لحزب الله، ووسام الطويل ومحمد شحوري وعلى حسين وعلى الدبس وعباس رعد القادة بقوة الرضوان، وعلي عبد الحسن نعيم نائب قائد وحدة الصواريخ والقذائف في حزب الله، ومحمد علوية قائد منطقة مارون الراس، وحسن سلامي قيادي في وحدة ناصر، وعلى برجي قائد منطقة جنوب لبنان.
بخلاف اغتيال صالح العاروري، القيادي في حركة حماس، خلال اجتماع في الضاحية الجنوبية ببيروت مطلع العام الحالي.
الجبهة المفتوحة
الخبير العسكري الاستراتيجي السوري، عبد الله الأسعد، قال لـ"سكاي نيوز عربية"، إن تواجد حزب الله في سوريا وحرصه على الاستمرار في تلك الجبهة مفتوحة لسنوات طويلة، جعل قياداته وعناصر وخططه وتحركاته مكشوفة لقدرات الكيان الإسرائيلي الاستخباراتية، وتبقى في ظل أضواء المسرح العملياتي هدفا محتملا".
ويرى أن "ما حدث إلى طالب عبدالله وغيره هو جزء من بنك أهداف لدى الكيان الإسرائيلي تم جمع معلوماته وإحداثياته لاسيما مع تواجد حزب الله في الجبهة السورية".
ويعتقد أن "استهداف الكيان الإسرائيلي يمكن أن يكون من أحد أسبابه اختراق من جانب عملاء محليين"، ويرى أن "التدابير الأمنية لحزب الله تبدو عاجزة أمام وسائل الاستطلاع الإسرائيلية ومنظماتها المتطورة التي رفعت الغطاء عنها وتستطيع كل فترة أن تقتل قياديا ضمن بنك أهداف جمعت معلومات وإحداثياته بشكل واضح ومحدد ودقيق".
"تفوق" استخباراتي
الخبير الاستراتيجي والعسكري اللبناني، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، لا يعتقد في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن الجبهة في سوريا مرتبطة بما يحدث من سلسلة اغتيالات لقيادات حزب الله.
غير أنه يؤكد أن "استمرار استهداف تل أبيب لقيادات حزب الله يعود لتفوقها في هذا الأمر كونها تملك معلومات استخباراتية كبيرة عنهم، خاصة ولبنان مكشوف أمنيا كما هو معلوم للجميع".
ويعود هذا التفوق إلى دعم الأقمار الصناعية الغربية لتل أبيب، والعملاء المنتشرين في الأراضي اللبنانية وطائرات الاستطلاع وغيرها من التحركات الاستخباراتية، يضيف العميد المتقاعد هشام جابر، الذي يرأس مركز الشرق الأوسط للدراسات ببيروت.
ويؤكد وجود حرب استخبارات بالدرجة الأولى، بين حزب الله وإسرائيل، والأخيرة تتفوق عليها للأسباب السابقة.
ويقلل من تأثيرات ذلك الاستهداف في ظل الحرب المستمرة في غزة منذ 9 أشهر، قائلا: "عندما يسقط ما بين 10 أو 15 قياديا ليسوا من الصف الأول وربما أحدهم من الصف الأول فهذا أمر طبيعي عسكريا".
ولفت إلى أن "التقديرات تشير لمقتل 350 عنصرا من حزب الله وهذا لا يتجاوز 1 بالمئة من إجمالي قوة تقدر بـ 35 ألف مقاتل ولذا تلك ليست خسائر بينما في الجانب الإسرائيلي يخسر من عمليات حزب الله ولا يعلن عن خسائره".
ويتفادى حزب الله وفق الخبير العسكري اللبناني، تلك الضربات بتحركات عديدة داخلية مرتبطة بتقليل تحركات عناصره وقيادته، مستبعدا أن تصل تلك العمليات لقيادات عليا بالصف الأول أو أن تتحول المعركة بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب شاملة أوإقليمية.
المسيرات والتكنولوجيا
بينما يرى المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن "القيادات والعناصر التي تعرضت للاغتيال تتواجد في المنطقة الحدودية وتتنقل بين الجبهة وقرى الجنوب اللبناني، مما سهل رصدها وملاحقتها من قبل إسرائيل".
ولفت إلى أن إسرائيل "تستخدم مسيرات وتكنولوجيا متفوقة مزودة بالذكاء الاصطناعي"، وتحفظ على تقديم توضيح بشأن كيفية معرفة إسرائيل بأماكن تواجد القيادات واستهدافهم بالقول: "لا أحد يعرف في لبنان كيف استطاعت إسرائيل جمع معلومات عن قيادي الحزب الذين تم اغتياله؟"
ويرى أن إسرائيل "بدأت بتطبيق سياسة الاغتيالات بحق قياديين في حزب الله بعدما ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على إسرائيل لمنعه من شن عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان".
ويرى أن الجيش الإسرائيلي "يعتمد في ذلك بشكل أساسي على سلاح الجو، المسيرات، لملاحقة القياديين في حزب الله وطالهم في مناطق تبعد مسافات تتراوح بين 10 كيلومترات و30 كيلومتراً عن الحدود الجنوبية مع إسرائيل".
ولفت إلى أن "المسيرات استطعت الوصول منذ أشهر إلى الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري".