وسط الضربات المتتالية التي تتلقاها حركة الشباب المتطرفة في الصومال، خاصة في المناطق الريفية، على يد الجيش الحكومي ومقاتلي العشائر المعروفين باسم "معويسلي"، تسعى الحركة لتحييد العشائر، عبر إشغالها في نزاعاتها القديمة وخلق نزاعات جديدة، وفق خبراء.
ويرصد محللان سياسيان لموقع "سكاي نيوز عربية"، الوسائل التي تلجأ إليها الحركة في تأجيج هذه النزاعات، وتريد بها أن تضرب عصفورين بحجر واحد، بأن تُبعد العشائر عن دعم الجيش في حربه على الحركة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وكذلك تُشغل الجيش بالتدخل لإيقاف هذه النزاعات العشائرية.
ومنذ طردها من المدن الرئيسية بين عامي 2011-2012، لا تزال حركة الشباب ناشطة في المناطق الريفية الشاسعة في وسط البلاد وجنوبها، حيث تشنّ هجماتها.
وبعد أن أطلق الجيش حربه على الإرهاب في 2022، وضم عشائر إليه في هذه الحرب، مدعوما بإسناد جوي من الجيش الأميركي وقوة الاتحاد الإفريقي (أتميص)، استعاد مناطق واسعة من قبضة حركة الشباب.
تحرك حكومي
أمام وقوع اشتباكات عشائرية واسعة، من أبرزها تلك التي وقعت فيإقليم غلغدود بوسط البلاد هذا الأسبوع، وأودت بحياة 55 شخصا، وتسببت في إصابة 155 آخرين، كلّف رئيس ولاية غلمدغ، أحمد عبدي كاريي قوقور، لجنة وزارية بإيجاد حل فوري للاشتباكات المتجددة.
ووفقا لوكالة الأنباء الصومالية، فإن مهمة اللجنة المكونة من 5 وزراء بالولاية، تقتصر على الذهاب إلى مناطق الصراع في مدينتي عابدواق وحرالي؛ لإنهاء الاشتباكات.
وقبل أيام من الاشتباكات، اتهم رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، حركة الشباب، بخلق وتأجيج صراعات العشائر، مشيرا إلى أن الهدف إشغال قوات الحكومة بإيجاد حل للصراعات العشائرية، بدلا من الاستمرار في العمليات ضد مقاتلي الحركة.
ودعا عبدي بري المجتمع إلى الوحدة والابتعاد عن الصراعات العشائرية، وهدد بأن حكومته ستتخذ إجراءات صارمة ضد أي شخص يتورط فيها.
وتواجه الحكومة صعوبات كبيرة في احتواء، ليس فقط العنف الذي تشنه حركة الشباب، وإنما أيضا الاشتباكات التي تندلع بين العشائر للسيطرة على الأراضي والمياه في الدولة التي عانت موجات جفاف حادة السنوات الأخيرة، فاقمت الصراع على أماكن المياه والرعي.
وقضى في مايو الماضي، ما لا يقل عن 30 شخصا في اشتباكات بين عشائر في قريتي بور شيك وبيو كادي في شبيلي الوسطى جنوبا.
الورقة الأخيرة
مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن، يشرح الطرق التي تستخدمها حركة الشباب لبث الفتنة بين القبائل:
- الحركة عملت لفترة طويلة في المناطق الريفية، وكونت شبكة واسعة عبر تجنيد متعاطفين، أو الخطف والابتزاز، واللعب على وتر إغراءات المال والنفوذ.
- بأفراد هذه الشبكة الواسعة تثير الحركة النزاعات، بأن ينبش أفراد تابعون لها الخلافات القديمة وتأجيجها، أو افتعال مشاجرات تؤدي لخسائر بشرية وإصابات خطيرة، تتطور أحيانا لاشتباكات مسلحة، ومثال على ذلك إدخال المواشي لمراعي العشائر الأخرى، أو المنع من الرعي وسقاية الماشية.
استخدام تكتيك الحكومة
يلفت الباحث في الشأن السوداني، حامد فتحي، إلى أن حركة الشباب تستخدم العشائر ضد الحكومة، كما استخدمت الحكومة العشائر ضد الحركة.
ويضيف موضحا أن الحكومة بعد إطلاقها الحرب على حركة الشباب في مايو 2022، استغلت الخلافات بين العشائر والحركة، وسلحت العشائر المعروفة باسم "معويسلي"، بداية بقبيلة حوادلي في محافظة هيرشبيلي، لتشاركها في الحرب على الحركة، وحققت الحكومة بذلك انتصارات كبيرة.
حركة الشباب من جانبها، لجأت للعشائر لاستخدامها ضد الحكومة عبر الاستثمار في خلافاتهم، وتسليح بعض العشائر بعد أن أثارت فيهم مخاوف بأن أشاعت أن مقاتلي "حوادلي" سيوسعون أرض عشيرتهم على حساب باقي العشائر، كما سلَّحت العشائر الصغيرة ضد العشائر الكبيرة لبث الفتنة بينهم، وفق فتحي.
وعن صعوبة وتعقيد الوضع، يقول المحلل السياسي: "الأمر ليس بجديد، فمنذ نشأة حركة الشباب وهي تستغل خلافات العشائر، وبعد تأسيس الحكومة الفيدرالية استعانت عشائر صغيرة بالحركة لموازنة النفوذ مع العشائر الكبيرة التي تعيش بجوارها؛ ولذا تعتبر العشائر الصغيرة خزانا بشريا لحركة الشباب، مقابل أن توفر لها الأمن والحماية".
ميدانيا، وفيما يخص أحدث تطورات الحرب بين الجيش الصومالي وحركة الشباب، أعلنت الحكومة في 9 يونيو مقتل ما لا يقل عن 47 من عناصر الحركة، و5 جنود في مواجهات بمنطقة جلجادود شمال العاصمة مقديشو.
كما نشرت وكالة الأنباء الصومالية أن "الجيش الوطني بالتعاون مع المقاومة الشعبية"، قام في 10 يونيو، بعمليات تمشيط واسعة النطاق، في ضواحي منطقة "رون نرغود"، والقرى التابعة لها بإقليم شبيلي الوسطى؛ لملاحقة "فلول مليشيات الخوارج"، في إشارة لحركة الشباب.
من هم المعويسلي؟
معويسلي (Macawisley) كلمة صومالية تعني من يرتدون الإزار، وهو زي شعبي معروف باسم "المعويس"، ويميز العشائر عن القوات الحكومية التي تقاتل بالزيّ العسكري.
انضمت هذه العشائر للحرب على الإرهاب بعد أن أرهقتها حركة الشباب بالضرائب والإتاوات والتهديد والابتزاز، خاصة مع سيطرتها على طرق التجارة، ومحاولتها السيطرة على أماكن المياه ومساعدات الإغاثة الدولية وقت الجفاف.