أفضى حرص الإسرائيليين والفلسطينيين على عدم إقحام الهوية الدينية والعرقية في خطاب الطرفين السياسي بشأن الحرب في قطاع غزة، إلى استبعاد تهمة "الإبادة الجماعية" من قائمة تهم وجّهتها المحكمة الجنائية الدولية لمسؤولين من الجانبين، وفق خبراء.
ويوضح خبيران في القانون الدولي وملفات حقوق الإنسان في الصراعات الدولية لموقع "سكاي نيوز عربية"، الفوارق بين تهمتي "الإبادة الجماعية" و"جرائم الحرب"، ولماذا فضّلت المحكمة توجيه التهمة الأخرى، وأيهما أشد قوة في العقوبات الصادرة في حالة الإدانة؟
ماذا جاء في بيان المحكمة؟
يوم الإثنين، أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بيانا يطلب فيه من قضاة بالمحكمة إصدار أوامر باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، والقائد الأعلى للجناح العسكري لحماس محمد ضيف، ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية؛ وذلك للتحقيق معهم في تهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، الموجهة لهم بخصوص الحرب الدائرة في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
ومن التهم الموجهة لقادة حماس وتندرج تحت "جرائم الحرب" و"جرائم ضد الإنسانية"، وفق البيان: القتل العمد، أخذ الرهائن، الاغتصاب، التعذيب، الاعتداء على الكرامة الشخصية، المعاملة القاسية.
ومن التهم الموجهة للقادة الإسرائيليين تحت اسم "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية": تعمد إحداث معاناة شديدة، القتل العمد، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، الاضطهاد.
الفرق بين الإبادة الجماعية وجرائم الحرب
حول لماذا وجّه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اتهامات بجرائم حرب وليس الإبادة الجماعية، يقول الخبير الحقوقي محمد شعلان، عضو سابق في لجان استشارية عملت مع المحكمة الجنائية، إن "هناك ميثاقا داخل الأمم المتحدة تم الاتفاق عليه عام 1948 يحدد ما هي جرائم الإبادة الجماعية، وعرّفها بأنها التي تستهدف جماعة عرقية أو قومية أو دينية بقصد تدميرها بشكل كلي".
"فإذا توافرت صفات الجماعة العرقية أو القومية في الفئة المستهدفة، حينها تندرج تحت جرائم الإبادة، أما في الصراع العربي الإسرائيلي فلم تتحقق صفة الجماعة العرقية أو القومية بين الجانبين؛ فدائما ما يستخدم الإسرائيليون والفلسطينيون مصطلحات سياسية لا تحمل صفة عرقية أو دينية، فلا يستخدمون مصطلحات مثل يهودي ومسلم؛ فبات للعلن أنه صراع سياسي"، كما يوضّح شعلان.
ماذا لو حدث تهجير؟
في حال نفذت إسرائيل عملية تهجير للفلسطينيين، واستهدفت المدنيين، فإنه حسب القانون الدولي، كما يوضح شعلان، "يكون الأدق اتهام صاحب الفعل بجرائم حرب وليس إبادة جماعية".
هناك سبب آخر لعدم اعتبار هذا التهجير إبادة جماعية، يواصل الخبير الحقوقي، وهو أن "الجانبين لم يقم أحدهما بإجبار الآخر في أثناء النزاع على التجنيس أو الترحيل خارج حدود المناطق التي يعيش فيها بصفة أبدية، وهذا أيضا يمنع فكرة الاتهام بإبادة جماعية".
حالات سابقة للإبادة الجماعية
يضرب شعلان أمثلة لحروب وصراعات تم توجيه اتهامات فيه لبعض أطراف الصراع بارتكاب الإبادة الجماعية، لإظهار الفارق بينها وبين جرائم الحرب بشكل أكبر.
ومن ذلك: "قيام هتلر بإبادة اليهود بشكل متعمد خلال الحرب العالمية الثانية؛ لأنه استهدف فئة دينية قومية للقضاء عليها، وفي صراع روسيا وأوكرانيا أجبرت موسكو الأوكرانيين على الحصول على جواز سفر روسي وجنسية روسية".
ويختتم بقوله: "في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المحكمة الجنائية كانت واقعية بإطلاق اتهامات بجرائم حرب؛ لأن الفريقين استهدفا المدنيين والمنشآت المدنية، لكن لم يقم أحد منهما بإبادة جماعية".
الفرق في العقوبات
عن الفرق في مستوى العقوبات في حالتي توجيه تهمة الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب، يجيب الخبير الحقوقي أيمن طلعت، قائلا إن "الإبادة الجماعية عقوبتها أكبر".
ومن هذه العقوبات أنه "إذا تم اتهام مسؤول في دولة ما بجرائم إبادة جماعية، قد يعرّض دولته لأذى كبير، مثل أن تضطر لدفع تعويضات مالية ضخمة؛ كالذي حدث في التعويضات التي تدفعها ألمانيا لإسرائيل".
أما عقوبات جرائم الحرب، فيقول طلعت إنها "في كثير من الأحيان يقتصر تطبيقها على المسؤول فقط، وتكون التهم الموجهة إليه بصفته وشخصه، ولا تنطبق على الدولة".
كما يلفت الخبير الحقوقي إلى أن ما فعلته المحكمة الجنائية حتى اللحظة "هو توجيه اتهامات وليس الحكم بإدانات، وهناك اختلاف كبير بين الحالتين، ومن المفترض قانونيا أن يتعرّض المتهمون لمحاكمات بحضور هيئة دفاع، وفي النهاية إما إدانة أو اتهامات، لكن كل ما حدث الآن خطوة من ألف خطوة".
ولا توجد مهلة يتعين خلالها على قضاة المحكمة الجنائية الدولية الاستجابة لطلب المدعي العام، بإصدار أوامر اعتقال بشأن المتهمين، وفي قضايا سابقة استغرق الأمر منهم ما بين شهر وبضعة أشهر.
وينفي قادة إسرائيل و"حماس" مزاعم ارتكاب جرائم حرب، ورفضوا طلبات المدعي العام.