يربك تصاعد القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور حسابات ومواقف الحرب السودانية التي اتسعت رقعتها بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، فما تأثير القتال في الفاشر
واستمرت الجمعة المعارك العنيفة في الفاشر لليوم الثامن على التوالي، مخلفة مئات القتلى والجرحى في ظل نقص حاد في الإمداد الغذائي والدوائي وخروج معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة.
ويتبادل طرفا القتال الادعاء بإحراز تقدم في عدد من أجزاء المدينة، ونشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو تظهر جنودا تابعين لها داخل مناطق رئيسية في المدينة، في حين تقول قوات الجيش الحركات المسلحة إنها لا تزال تسيطر على الوضع هناك.
ويرى المراقبون أنه وإضافة إلى التعقيدات الإثنية والأمنية المحلية والإقليمية المرتبطة بها، فإن أهمية الفاشر تكمن في أن السيطرة عليها تعني التحكم الكامل في خط الدفاع الغربي الأول لمجمل مناطق السودان، بما فيها ولايات كردفان والشمالية ونهر النيل.
كما يشير المراقبون إلى الجوانب المرتبطة بالموارد والثروات الغنية الموجودة في الشريط الحدودي الذي يربط شمال دارفور بليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى دولة جنوب السودان.
عمق استراتيجي
تشكل الفاشر عمقا استراتيجيا لإقليم دارفور المتاخم لولايتي الشمالية وكردفان، كما تربط السودان بشريط دولي حدودي ملتهب يمتد من تشاد غربا وليبيا شمالا ودولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى جنوبا.
ومنذ أكثر من عامين، هيمنت الأوضاع الأمنية الملتهبة في الشريط الحدودي القريب من الفاشر على اهتمام العالم، وسط مخاوف من تزايد الهجرة غير النظامية وتهريب الأسلحة في المنطقة الحدودية التي تشير تقارير إلى انتشار أكثر من 3 ملايين قطعة سلاح غير شرعية فيها.
ووفقا لمحمد حسن عربي الوالي السابق لولاية شمال دارفور، فإن أهمية الفاشر تكمن في أن السيطرة عليها تعني السيطرة على كامل إقليم دارفور وبالتالي تكون الجهة المسيطرة عليها في وضعية متقدمة.
ويوضح عربي في حديث لموقع سكاي نيوز عربية "إذا سيطر الدعم السريع على المدينة فسيكون بمقدوره تأمين الإمداد بسهولة أكبر والدفع بتعزيزات إلى خارج الإقليم، وبالتالي حسم السيطرة على إقليم كردفان، إضافة إلى ولايتي الشمالية ونهر النيل، أما إذا كسب الجيش والحركات المتحالفة معه المدينة فسيكون بمقدورهم التحرك لاستعادة مدن شمال دارفور وأيضا الولايات الأربع الأخرى بالإقليم، وقطع مصدر الامداد البشري واللوجستي الكبير للدعم السريع، كما سيكون بمقدور الحركات التي تقاتل الى جانب الجيش الانفتاح خارج الإقليم شرقا والمساهمة فى تامين ولايتي الشمالية ونهر النيل، و ربما التحرك لنجدة الجيش فى العاصمة الخرطوم".
أما من الناحية الإقليمية، فيشير عربي إلى أن الفاشر هي عاصمة ولاية شمال دارفور التي تجاور دولتي تشاد وليبيا وتقع على مقربة حدودية من دولتي جنوب السودان و أفريقيا الوسطى.
ويشير عربي أيضا إلى احتمالية تأثر مصر باي وضع جديد قد ينجم عن القتال الدائر في الفاشر، ويوضح "تعتمد مصر بشكل كبير على اللحوم الدارفورية خاصة الجمال، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالهجرة و اللجوء عبر الصحراء".
تداخلات وتأثيرات
ترتبط القبائل الموجودة في إقليم دارفور بعدد كبير من القبائل الموجودة في دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وهي جميعها بلدان تعاني من اضطرابات سياسية وأمنية تلعب فيها التقاطعات مع المجتمع الدارفوري عاملا بارز.
وفي هذا السياق، يقول الحاكم السابق لولاية شمال دارفور "سيطرة الدعم السريع على الفاشر يعني اكمال السيطرة على إقليم دارفور وسيؤثر بشكل كبير على تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وبدرجة أقل على جنوب السودان. بالنسبة لليبيا، فإن الحكومة الموجودة في شرقها متوافقة مع الدعم السريع و ستكون مامونة الجانب بالنسبة لحدودها الجنوبية، أما تشاد التي انتخبت للتو محمد ديبي نجل الرئيس الراحل إدريس ديبي رئيسا للبلاد ستكون حذرة فى ظل المخاوف من دعم المعارضة التشادية المسلحة، لذلك عملت الحكومة التشادية منذ وقت مبكر على تجنب هذا الاحتمال بعدم استعداء الدعم السريع".
سيناريوهات قاتمة
في ظل السيناريوهات القاتمة المتعلقة بتطورات القتال في الفاشر، تتزايد الضغوط الدولية والمحلية الرامية لإيجاد حل يوقف الكارثة الإنسانية الكبيرة التي يتعرض لها سكان المدينة البالغ تعدادهم نحو مليون ونصف.
ويرى عطاف محمد رئيس تحرير صحيفة "السوداني" أن السيناريوهات تبدو قاتمة جدا في ظل عدم وجود آفاق للحل السياسي، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية "يمكن أن تستمر تبعات الوضع في الفاشر لعشرات السنين (...) يجب العمل من أجل الوصول إلى حل سلمي والعودة لمنبر جدة لأن المعناة تزداد يوما بعد الآخر".
وكانت الجبهة الثورية التي تضم حركات دارفورية محايدة في الحرب الحالية قد اقترحت للمبعوث الأميركي توم بيريللو العمل على إقناع طرفي القتال بهدنة إنسانية لمدة 3 أيام لإخراج المدنيين العالقين بالفاشر إلى مناطق آمنة خارج المدينة.
وقال الهادي إدريس عضو مجلس السيادة المقال ورئيس الجبهة الثورية إنهم أكدوا خلال اجتماع عقدوه مع بيريللو في العاصمة الأوغندية كمبالا يوم الثلاثاء، تعهد الحركات المحايدة بحماية قوافل المساعدات الإنسانية الموجهة للمتأثرين بالحرب.
ومع تفاقم القتال تدهور الأوضاع الإنسانية في المدينة التي تأوي أكثر من مليون ونصف من السكان والنازحين، وسط مخاوف من نقص حاد في الغذاء والخدمات الصحية.
ويتبادل الطرفان مسؤولية الأزمة الطاحنة التي تواجهها المدينة. ويتهم الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه الدعم السريع بقطع جميع خطوط وطرق الإمداد عن الفاشر والتسبب في الشح الكبير في المياه والغذاء والدواء والوقود في المدينة، لكن قوات الدعم السريع وصفت تلك الاتهامات بالمضللة واكدت حرصها على حماية المدنيين، وقالت في بيان "موقفنا تجاه قضية الفاشر معلوم، وقد آثرت قواتنا منذ بداية الحرب تجنب أية صدام مسلح تطال أثاره المواطنون، واستجبنا لتفاهمات سابقة في ذات المنحى".
وحمل البيان الغارات الجوية التي يشنها طيران الجيش بزيادة معاناة سكان الفاشر، واوضح "نفذ الطيران الحربي سلسلة غارات جوية موثقة، راح ضحيتها مئات الأبرياء بين قتيل وجريح، فضلاً عن تدمير المنشآت العامة والخاصة".