مع تزايد الشكوك حول إمكانية نجاح جهود استئناف مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع، يحتدم النقاش في السودان حول البدائل والمآلات المتوقعة في ظل اتساع رقعة الحرب وتفاقم تداعياتها الأمنية والإنسانية الخطيرة، فإلى أي مدى يمكن أن يستمر صبر المجتمع الدولي وما هي الخطوة المحتملة في حال فشل الجهود الحالية؟
وتتباين مواقف الأطراف في الحرب من الاستجابة لدعوات التفاوض وفقا لحسابات الربح والخسارة، لكن الكثير من المراقبين يشككون في قدرة الطرفين على المناورة والصمود كثيرا أمام الضغوط الدولية والإقليمية.
مواقف الطرفين
عزز ربط قائد الجيش عبد الفتاح البرهان العودة للتفاوض بانسحاب الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها، الشكوك المتزايدة بإمكانية نجاح استئناف التفاوض، خصوصا أن رفض البرهان الذي جاء في سياق تصريحات أدلى بها، يتسق مع رؤية قيادات في الجيش إضافة إلى مجموعات سياسية ومسلحة موالية تساند الجيش في الحرب الحالية منذ اندلاعها في منتصف أبريل 2023 وترفض مبدأ التفاوض أصلا.
وبالنسبة للدعم السريع ورغم موقفه المعلن بقبول التفاوض، إلا أن البعض يرى أن التفوق الميداني الذي يتمتع به حيث يسيطر على نحو 60 في المئة من مناطق البلاد، يجعله أقل حماسة لاستعجال الدخول في أي عملية تفاوضية قد تخصم من مكاسبه الحالية.
ويعتقد الباحث السياسي الأمين بلال أن المشكلة تكمن في عدم استعداد طرفي الحرب للحوار الجاد، ويوضح في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه "في حين تستمر المعارك وتتوسع رقعتها الجغرافية لدرجة لم تعد هنالك ولاية آمنة، تفشل كل محاولات جلب الطرفين لطاولة المفاوضات وتقريب المسافات بينهما".
ويعزي بلال فشل جهود استئناف التفاوض إلى أسباب تتعلق بطرفي القتال، ويبين قائلا "يظن الدعم السريع خلال الفترة الحالية أنه في موقف يسمح له بالمناورة، كما أن الجيش في ظل خسارته لبعض الولايات لن يذهب للمفاوضات".
ويشدد بلال على ضرورة تكثيف الضغط الدولي والمحلي من أجل دفع الطرفين لوقف الحرب التي تتزايد تداعياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية.
آلية محتملة
يرجح السفير الصادق المقلي أن تؤدي الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان إلى تدخل دولي أو إقليمي في حال فشل جهود العودة للتفاوض.
ويتوقع أن يتم تبني مشروع قرار يدعو مجلس الأمن إلى التدخل تحت الفصل السابع، وإرسال قوة تفرض وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية لضمان انسياب المساعدات للمتضررين في كافة أنحاء البلاد.
وحول العقبات التي يمكن أن تواجه مثل هذه الخطوة، يقول المقلي لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا اعتقد أن أي قرار تتبناه المجموعة الإفريقية داخل مجلس الأمن سيواجه بفيتو من قبل الصين أو روسيا نظرا لأنهما لن تضحيا بعلاقاتهما المتنامية مع إفريقيا".
ويشير المقلي إلى خيار "التدخل الإنساني" في حال أي اعتراض من الصين أو روسيا، وهو الخيار الذي يمكن تنفيذه عبر تحالف دولي إقليمي كما حصل في عدة بؤر نزاع مشابهة.
ووفقا للمقلي فإن التدخل الإنساني غالبا يتم بإرسال قوات الاحتياطي لشرق إفريقيا المرابطة في كينيا والمعروفة بـ "ايساف".
ويضيف "في ظل تمدد هذه الحرب وفشل كل الجهود السلمية لتسوية النزاع لا يمكن أن يلوذ المجتمع الدولي بالصمت، فما يحدث حاليا أسوأ عشرات المرات من تلك الحالة التي استدعت إرسال بعثة اليوناميد لحفظ السلام في دارفور بموجب الفصل السابع باعتبار أن الوضع الراهن في السودان يهدد السلم والأمن الدوليين".
ويرى المقلي أن تفاقم الأزمة الناجم عن تمدد الحرب سيعرض البلاد للانهيار التام والانزلاق نحو الحرب الأهلية من جهة، ويفرز من جهة أخرى تداعيات خطيرة على المنطقة وخاصة دول الجوار التي سوف تشهد المزيد من موجات النزوح واللجوء، الأمر الذي يهدد امنها القومي.
ويوضح قائلا: "ما يرجح فرص التدخل الدولي هو الاهتمام المتزايد من قبل المجتمع الدولي والإقليمي بتداعيات الحرب والكارثة الإنسانية ونذر المجاعة في البلاد، فضلا عن استمرار طرفي النزاع في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني".
نفاد صبر المجتمع الدولي
في خضم الجدل الدائر منذ أكثر من شهرين حول رفض العودة لطاولة المفاوضات، لوحت أطراف دولية فاعلة في مناسبات مختلفة بورقة التدخل الدولي.
وأكدت اللجنة رفيعة المستوى التي شكلها الاتحاد الإفريقي في نوفمبر للنظر في الشأن السوداني أن مقترحاتها للحلول تأخذ في الاعتبار خارطة الطريق التي قدمتها الهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا "إيغاد" بعد اندلاع الحرب والمكونة من 6 نقاط تشمل إدخال قوات إفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية ومن ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.
وجاءت رؤية اللجنة الإفريقية بعد أيام قليلة من تبني 20 دولة ومنظمة دولية وإقليمية في باريس في مارس إعلان آلية لتنسيق مبادرات الميسرين بما في ذلك الخارطة الإفريقية.
جدير بالذكر أن مجلس الشيوخ الأميركي كان قد طلب من الإدارة الأميركية اتخاذ موقف أكثر قوة وبأن تكون جولة التفاوض المقترحة في جدة بمثابة الفرصة الأخيرة لوقف الحرب.