بينما تستمر حرب إسرائيل على قطاع غزة، يبدو الخطاب الأميركي متناقضا تجاه هذه الأزمة التي هزت الشرق الأوسط، وسط محاولات واشنطن لخلق توازن دقيق بين تخفيف الضغوط التي سببها دعم إسرائيل من جهة، وعدم خسارة أهم حليف في المنطقة من جهة أخرى.
وبين شد الحبل وإرخائه، تتأرجح المواقف والتصريحات القادمة من واشنطن بشأن إسرائيل والحرب التي دخلت مؤخرا شهرها الثامن، تارة تؤكد على "الدعم المطلق" لإسرائيل، وأخرى "تشد أذنها" بقرار أو تهديد، أو حتى تلويح، بتقليل وتيرة التسليح.
ويتعرض الرئيس الأميركي جو بايدن لضغوط داخلية ودولية بسبب مساندته لإسرائيل، قد يفقد على إثرها قدرا لا يستهان به من الأصوات في انتخابات الرئاسة المقررة أواخر العام الجاري، كما أنه يحاول في الوقت ذاته كسب ود الجماعات اليهودية ذات التأثير الكبير في الولايات المتحدة.
وكشفت الأيام القليلة الماضية عن مواقف أميركية متناقضة تجاه إسرائيل، تضع علامات استفهام عن العلاقة "الراسخة" بين البلدين، التي شهدت منعطفات خطيرة خلال أشهر الحرب الجارية على قطاع غزة.
نحن معكم وضدكم
فبينما حجبت واشنطن شحنة من القنابل الكبيرة عن إسرائيل في خطوة نادرة للغاية، فضلا عن تهديد بايدن بمنع المزيد من الأسلحة في حال أصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على توسيع العملية العسكرية في رفح جنوبي قطاع غزة، سارعت الخارجية الأميركية إلى "تلطيف الأجواء" مع إسرائيل.
ورغم أن انتقادات بايدن لإسرائيل في مقابلته مع "سي إن إن" كانت شديدة الوضوح، فإن المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال إن تصريحات الرئيس "لا تشير إلى أن إسرائيل انتهكت القانون الدولي في قطاع غزة".
وبعد تصريحات بايدن "اللاذعة"، نقلت وكالات الأنباء عن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي "أمر فريقه بمواصلة العمل مع إسرائيل لإلحاق هزيمة دائمة بحركة حماس".
ومن جهة أخرى، يزيح تقرير مرتقب لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الستار عن تناقض صارخ آخر في تعامل واشنطن مع حليفتها الأبرز في الشرق الأوسط.
فقد قال موقع "أكسيوس" الأميركي إن من المتوقع أن يقدم بلينكن تقريرا "شديد الانتقاد" إلى الكونغرس بشأن سلوك إسرائيل في قطاع غزة، لكنه "لن يصل إلى حد الجزم بأنها تنتهك شروط استخدام الأسلحة الأميركية".
حتى عندما ثار حديث عن إمكانية معاقبة الولايات المتحدة وحدات في الجيش الإسرائيلي، كان رد الفعل عنيفا من جانب نتنياهو ومسؤوليه، مما أخمد الأمر، مؤقتا على الأقل.
شخصنة الأزمة
وتشير تقارير إلى توترات في العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، انعكست على نظرة الولايات المتحدة للحرب التي أدت إلى مقتل نحو 35 ألف فلسطيني حتى الآن.
وتحدثت مصادر عدة أميركية وإسرائيلية، عن مكالمات هاتفية "مشحونة" بين الاثنين، انتهت واحدة منها بأمر من بايدن الذي قال لنتنياهو إن "المكالمة انتهت" وأغلق الخط، وأخرى قبل نحو شهر وبعد وقت قصير من مقتل 7 من موظفي الإغاثة التابعين لمنظمة "ورلد سنترال كيتشن"، في قصف جوي إسرائيلي.
وكان فحوى رسالة بايدن إلى نتنياهو في المكالمة الأخيرة، أنه "إما أن يحمي المدنيين وموظفي الإغاثة، أو ستتغير السياسة الأميركية".
وفي المقابل، حمل الرد الإسرائيلي، سواء من نتنياهو أو من وزرائه المقربين لا سيما من اليمين المتطرف، انتقادات شخصية لبايدن، لا للسياسة الأميركية تجاه إسرائيل بشكل عام.
فقد أثار وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الجدل بمنشوره على منصة "إكس"، الذي قال فيه إن حركة حماس "تحب بايدن" مستخدما رمزا تعبيريا على شكل قلب، في سخرية نادرة من الرئيس الأميركي.
وبدلا من تحذير بن غفير من أن تعليقه قد يسبب أزمة مع واشنطن في وقت حساس، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن نتيناهو "انفجر ضاحكا" عند مناقشة الأمر في اجتماع الحكومة الأمنية الإسرائيلية مساء الخميس.
ووقتها قال الوزير الإسرائيلي إن مثل هذه المنشورات " سوف تتضاعف"، وغازل المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي سبق الإسرائيليين إلى انتقاد بايدن، والذي يبدو أن سيحظى بدعم لا يستهان به في الانتخابات المقبلة.