أعاد التهديد الإسرائيلي بتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، رغم الضغوط الأميركية والدولية لإثنائها عن ذلك، إلى الأذهان ما جرى عام 2012، حينما أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، على مهاجمة طهران على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل، قبل أن يكبح جماحه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وعاد نتنياهو مجددا الآن للتهديد بالرد على الهجوم الإيراني الذي استهدف بلاده مطلع الأسبوع الجاري، وشن ضربة انتقامية، حيث عقد عدة اجتماعات عسكرية لاستعراض سيناريوهات الرد، على الرغم من تحذير الرئيس جو بايدن من ذلك، بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي جدد بدوره القول: "سنتخذ قراراتنا بأنفسنا.. وسنفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن إسرائيل".
ونقلت شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية، عن مصادر إسرائيلية قولها، إن تل أبيب أوشكت على مهاجمة طهران مرتين هذا الأسبوع، لكنها تراجعت عن ذلك، في حين قال مسؤولون أميركيون إن إدارة بايدن حذرت من أن التصعيد مع إيران لن يخدم المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، وحثت على "توخي الحذر" من أي انتقام.
واستعرض محللون عسكريون أمريكيون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، موقف واشنطن بين عامي 2012 و2024 من تنفيذ إسرائيل لهجوم مباشر على إيران، وعن تبعات التصعيد الحالي على الإدارة الأميركية في خضم عام الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر المقبل.
أوباما يوقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية
- في مطلع عام 2012 وحين كان نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل، هددت تل أبيب بتنفيذ ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية في خضم مضيها قدما في تطوير برنامجها النووي.
- في هذا التوقيت، لوحت إسرائيل بالذهاب لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية "بشكل أحادي الجانب"، وحتى دون إبلاغ مسبق للولايات المتحدة.
- لكن الرئيس أوباما ضغط على نتنياهو لإثنائه عن اللجوء إلى العمل العسكري، ومنح "الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية" فرصة للعمل تجاه طهران، حيث اجتمعا بالبيت الأبيض في مارس من هذا العام، في محاولة لحل الخلافات الأساسية بينهما حول كيفية التعامل مع التهديد النووي الإيراني.
- وحينها، قال نتنياهو إنه يجب على الغرب عدم إعادة فتح المحادثات مع إيران حتى توافق على تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، وهو شرط قال البيت الأبيض إنه سيقضي على المحادثات قبل أن تبدأ في هذا التوقيت.
- وكان أوباما ينظر إلى أن الضربة الإسرائيلية على إيران ونشوب حرب بينهما، سيدفع أسعار النفط إلى الارتفاع مما يضر بمصالح الولايات المتحدة، كما يقوض تأثير العقوبات على إيران، وهو ما أعرب معه نتنياهو عن إحباطه من أن التصريحات حول الآثار السلبية للعمل العسكري يمكن أن يكون بمثابة "رسالة ضعف" إلى طهران.
- كما لم يتبنى أوباما مطلبا إسرائيليا في هذه الفترة بضرورة تنفيذ الضربة العسكرية قبل أن تكتسب إيران القدرة على تصنيع قنبلة نووية، بدلا من انتظار وجود القنبلة بالفعل، وكانت تلك القضية مثارا للخلاف في وجهة النظر بين الزعيمين، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
- ومع تزايد هذه التلميحات، حرصت إدارة أوباما على تنظيم زيارات لدبلوماسيين وعسكريين أميركيين إلى إسرائيل؛ لإقناع رئيس حكومتها نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك بعدم الإقدام على مهاجمة إيران خشية تبعات ذلك على أسعار النفط، وعلى الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في ذات العام 2012.
- وعلى غرار ما يجري حالياً، حذرت إيران مرارا من أن ردها على أي هجوم عسكري إسرائيلي عليها سيكون "مؤلما"، إذ هددت باستهداف تل أبيب والقواعد الأمريكية بالمنطقة
- وكشف الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان في كتابه "انهض واقتل أولا"، أن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي المتكررة بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، تسببت في "حالة من الذعر" في الولايات المتحدة لدرجة أن إدارة أوباما سارعت إلى قبول اقتراح إيراني بفتح مفاوضات حول صفقة نووية في عام 2012، قبل أن يكون للعقوبات الاقتصادية ضد النظام أثرها الكامل
- أوضح "بيرغمان"، أن إسرائيل أنفقت، تحت حكم نتنياهو، 2 مليار دولار على الاستعدادات لـ"هجوم جوي شامل، بدعم من قوات الكوماندوز" لمدة 30 يومًا، في قلب إيران.
بايدن لا يسعى للتصعيد
على الرغم من تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بتوفير دعم "ثابت" لإسرائيل في مواجهة الهجوم الإيراني، إلا أنه تحدث مع نتنياهو، تاركًا خلافاته معه جانبًا، حيث أبلغه أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد ردا على هجمات طهران، إذ ستواصل واشنطن دعم تل أبيب دفاعيا ولا تريد أي حرب مع إيران.
وسرعان ما دخلت الإدارة الأميركية على خط التهدئة بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، بسلسلة اتصالات مع زعماء المنطقة في محاولة لمنع توسع الصراع، كما تحدث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، لتأكيد الدعم الأمريكي القوي للدفاع عن إسرائيل، مشيدا بالإجراءات الدفاعية غير العادية والتعاون القوي بين البلدين.
ووفق "نيويورك تايمز"، كان العديد من أعضاء مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي يؤيدون شن هجوم انتقامي، لكن تراجعوا عن ذلك بالنظر لعدم وقوع أضرار جسيمة في إسرائيل بسبب الهجوم الإيراني، بالإضافة إلى محادثة نتنياهو مع بايدن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن الرئيس بايدن أبلغ إسرائيل أن اعتراض جميع الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية المستخدمة لمهاجمتها يشكل نصرا كبيرا، وبالتالي قد لا يكون هناك ضرورة لمزيد من الانتقام.
ويرغب البيت الأبيض في عدم زيادة حدة التصعيد في الشرق الأوسط، إذ قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، لشبكة "إن بي سي": "لا نريد أن نرى تصعيداً في الوضع، ولا نسعى إلى حرب أكثر اتساعاً مع إيران".
قلق أميركي من الرد الإسرائيلي
وفي رأي نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن البيت الأبيض لا يريد أن تقع حربًا إقليمية، خاصة تلك التي يمكن أن تجذب الولايات المتحدة للدخول فيها.
وعن مهمة بايدن في إقناع نتنياهو بالتراجع عن تهديده، قال "ملروي" الذي سبق أن عمل لعقدين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إن "الرئيس ريغان طلب من إسرائيل عدم ضرب المنشآت النووية العراقية، كما طلب الرئيس بوش من إسرائيل عدم استهداف المنشآت النووية السورية، ومن ثم فإن الرؤساء الأميركيين طلبوا في المرتين ذلك من إسرائيل"، لكنه مع ذلك يعتقد أن المنشآت النووية الإيرانية في جانب آخر مما يجعلها أهدافا أكثر صعوبة (بالنسبة لإسرائيل).
وأوضح المسؤول العسكري الأميركي السابق، أنه يتضح من رسائل إسرائيل إلى دول في المنطقة أنها لا تنوي تصعيد الوضع الراهن، و"هذا يعني بالنسبة لي أنهم لن يلاحقوا المنشآت النووية أو أي أهداف رئيسية إيرانية".
وبشأن تداعيات انفجار الوضع بين إسرائيل وإيران، قال ملروي إن "ذلك يعتمد على نوع وحجم رد الفعل، إذ أن إيران أشارت إلى أن أي هجوم من قبل إسرائيل سيؤدي إلى رد كبير"، مبينا أن إسرائيل قد تستهدف المنشآت التي صنعت الطائرات بدون طيار والصواريخ المستخدمة في الهجوم الأخير؛ لتجنب وقوع إصابات، إذ قد يكون هذا كافيا لإنهاء الصراع الراهن، بيد أن "ذلك سيكون متروكا لإيران"، وفق قوله.
هل تنجح مهمة بايدن؟
على الجانب الآخر، لا يعتقد مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، أن الرئيس بايدن سينجح في محاولة منع الحكومة الإسرائيلية من الرد "عسكريا بشكل ما" على هجمات السبت الماضي.
وقال "وايتز" في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية":
- الولايات المتحدة تدعم الرد الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية، لكنها تريد أن يكون ردا معتدلا وليس عسكريا بشكل مباشر؛ إذ قد يكون ردا دبلوماسيا، وربما اقتصاديا، وربما حتى هجمات سيبرانية.
- إذا استخدمت إسرائيل القوة العسكرية ضد إيران، فالأمر يعتمد إلى حد كبير على حجم هذه القوة، ومن ثم يمكن أن يشمل الرد الإيراني الولايات المتحدة أيضاً، خاصة إذا وقعت بعض الهجمات في سوريا والعراق ضد القوات الأميركية هناك.
بدوره، قال الأكاديمي والمحلل السياسي المهتم بالشؤون الأميركية سعيد صادق، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن " بايدن لا يريد حربا في عام الانتخابات، باعتبار أنه لن يستفيد أحد من الحرب سوى نتنياهو الذي يستغل الصراع لتغيير توجه الإعلام الدولي تجاه إيران وليس غزة".
وأوضح "صادق" أن بايدن يسعى لتجاوز هذه الصراعات في مختلف المناطق المشتعلة بالعالم وعدم تورط الولايات المتحدة لضمان فوزه بولاية ثانية.
وأضاف: "بالطبع الولايات المتحدة، وأيضا الاتحاد الأوروبي والصين لا يرغبون في توسيع الصراع الراهن، خوفًا من تداعياته الاقتصادية عليهم".