ألقت الهجمات التي أطلقتها إيران على إسرائيل، بتداعيات على مسار حرب غزة المتواصلة لليوم الـ 191 على التوالي، إذ تراجع الاهتمام الدولي "مؤقتا" ليتصدر الصراع بين طهران وتل أبيب المشهد منذ نحو أسبوع، تحسبا لخروج الأوضاع عن السيطرة في المنطقة.
وقال سياسيون فلسطينيون ومراقبون لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الضربة الإيرانية وما تلاها من تبعات أبرزها التهديد الإسرائيلي بالرد، ساهمت في تغيّر المعادلة الراهنة بالمنطقة، حيث بات التركيز الغربي الراهن منصبًا على دعم إسرائيل في تلك الأزمة بعدما كان موحدًا ضد الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع، بما قد يصل إلى مراجعة التوجه السابق بتقليص مبيعات الأسلحة لتل أبيب، وكذلك تراجعت غزة في أولوياتهم خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تعثر المفاوضات بين الطرفين.
وبحسب وكالة "رويترز"، فإن هجوم إيران على إسرائيل حظي بإشادة الكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة باعتباره ردا نادرا على حملتها العسكرية على القطاع، غير أن البعض أعربوا عن اعتقادهم بأن طهران نفذت الهجوم بغرض استعراض القوة وليس لإلحاق أضرار فعلية لإسرائيل.
موقف غزة
- قالت صحيفة نيويورك تايمز، إنه بالتزامن مع تحوّل الانتباه العالمي إلى الهجمات الإيرانية، شهد الفلسطينيون في غزة ليلة هادئة نسبيا لأول مرة منذ أكثر من ستة أشهر، لكنهم سرعان ما عادوا إلى الواقع عندما استمرت الغارات الجوية هناك، صباح الأحد، ثم إعلان الجيش الإسرائيلي استدعاء قوات احتياط لتنفيذ مزيد من العمليات في القطاع.
- وسبق أن سحبت إسرائيل قبل أيام، بعض قواتها من غزة، حيث أعلن الجيش أن كافة ألويته غادرت جنوبي قطاع غزة عدا "قوة كبيرة بقيادة الفرقة 162 ولواء ناحال".
- كتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على حسابه بمنصة "أكس" إنه "بناءً على تقييم الوضع، سيجنّد جيش الدفاع خلال الأيام المقبلة حوالي لواءين من جنود الاحتياط من أجل القيام بالمهام العملياتية في منطقة غزة، حيث سيتيح تجنيدهم استمرار الجهد والجاهزية للدفاع عن دولة إسرائيل والحفاظ على أمن السكان"، دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.
- ويعتقد مراقبون أن إسرائيل ربما تكثف غاراتها لإضعاف قدرات حماس على تنفيذ هجمات مقبلة، في خضم صراعها مع إيران.
- وفق وكالة "فرانس برس"، يخشى فلسطينيون من أن تؤدي التوترات الإسرائيلية-الإيرانية إلى "صرف الانتباه" عن الوضع الإنساني في قطاع غزة، مع معاناة ما يقرب من 2.3 مليون نسمة من أزمة غذائية وصحية فادحة.
- في المقابل، أفادت هيئة البث الإسرائيلية، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر تأجيل موعد العملية البرية في رفح جنوبي قطاع غزة، بعد أسبوع من إعلانه أن الموعد قد تم تحديده بالفعل.
- سرعان ما تحوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "المُحاصر" كما أطلق عليه خبراء ومحللون، من الموقف الدائم للانتقادات، إلى موقف التأييد والمساندة، بعدما سارعت العواصم الغربية وخاصة الولايات المتحدة لإعلان دعمها لتل أبيب وإجراءاتها الأمنية ضد الهجوم الإيراني.
- تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتوفير دعم "ثابت" لإسرائيل في مواجهة الهجوم الإيراني، بعدما عقد اجتماعا طارئا مع كبار المسؤولين الأمنيين لبحث التصعيد المتنامي في الشرق الأوسط.
- وجددت ألمانيا تأكيدها على الوقوف "بحزم إلى جانب إسرائيل".
تراجع الضغوط الدولية
ووفق تحليل نشره المجلس الأطلسي للسفيرة الأمريكية جينا أبركرومبي، التي سبق أن عملت كمساعد خاص لوزير الخارجية للشرق الأوسط، فإن الضربة الإيرانية أفادت نتنياهو بقدر ما أضرت غزة، إذ تراجع القطاع الفلسطيني عن الحوار الإعلامي والدبلوماسي مؤخرًا، بما يمكن أن يكون تخفيفًا للضغوط الدولية التي كانت تدفع نحو وقف القتال، حيث بات ملف إنهاء الحرب وتخفيف معاناة الفلسطينيين متراجعا في الأولويات.
وأوضحت "أبركرومبي" أن الهجوم الإيراني أعاد خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن "الدعم القوي" لإسرائيل تحت قيادته، كما ربما يساهم في أعاد توحيد الإسرائيليين مرة أخرى في مواجهة الخطر الراهن.
البحث عن انتصار
من رام الله، قال رئيس مركز القدس للدراسات الدكتور أحمد رفيق عوض، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه بالفعل هناك تأثير لهذه الضربة الإيرانية على حرب غزة، إذ سيؤخذ نفوذ إيران في الحسبان، فما دام تم تثبيت هذا النفوذ مع محور المقاطعة، فلا يوجد انهيارات لأذرع إيران بالمنطقة.
ورجح "عوض" أن يستمر العدوان الإسرائيلي من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية بالقضاء على حماس وتحرير الرهائن، بالإضافة إلى البحث عن انتصار، خاصة أن الغرب ساعد إسرائيل في التصدي للضربة الإيرانية، وبالتالي ترغب في إثبات قدراتها على غزة مجددًا، ولذلك فإنها ستصعد هجماتها لتحقيق "النصر من قطاع غزة".
لا وقف للقتال
الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان قالت لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إسرائيل ليس لديها أي سبب للسعي إلى وقف إطلاق النار الآن، خاصة بعد تعثر المفاوضات ومقتل العديد من الرهائن لدى حماس، وبالتالي فبعد الضربة الإيرانية فإن أي ميزة كانت تتمتع بها حماس في مرحلة ما قد تلاشت الآن.
وأضافت "تسوكرمان"، أنه في الواقع، فقدت الولايات المتحدة أيضًا نفوذها في الضغط على إسرائيل بشأن رفح الآن بعد أن أصبح من الواضح أن إيران خرجت إلى العلن للتنسيق مع مختلف الوكلاء ضد إسرائيل، ومن ثم لا تستطيع إسرائيل أن تسمح ببقاء أي جبهات مفتوحة لأنها يمكن أن تستخدم كسلاح ضدها في أي لحظة.
وشددت الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية، أن إسرائيل ستسعى جاهدة لتدمير القدرات العسكرية والسياسية لحماس، وفك ارتباطها مع إيران، حتى لا تكون وسيلة لاستهدافها عبرها مجددًا، متابعة أنه "إذا بقيت حماس، فيمكنها الاستمرار في التجنيد وإعادة بناء نفسها وتلقي الأسلحة في نهاية المطاف من إيران حتى تصبح جاهزة لهجوم كبير جديد".
"إسرائيل ضحية"
بدوره، أوضح عضو الحزب الديمقراطي الأميركي والمحلل السياسي مهدي عفيفي، أن الهجوم الإيراني سمح لإسرائيل أن تقدم نفسها مجددًا كضحية في المحافل الدولية.
وقال "عفيفي" في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "ما قامت به إيران يصب بشكل كبير في مصلحة إسرائيل، فبعدما كانت في موقف عالمي ودولي مأزوم بسبب عملياتها العسكرية، أصبح لها حجة لما تقوم به بأن حولها الكثير من الأعداء الذين يستهدفونها مباشرة، ومن ثم ستستغل هذا الموقف أفضل استغلال في مسائل كثيرة على رأسها زيادة الدعم من الولايات المتحدة".
وأشار عضو الحزب الأمريكي إلى أن هذا سيحدث بالفعل، إذ سيكون على رأس مناقشات الكونغرس الأمريكي في جلسته المقبلة تقديم دعم إضافي لإسرائيل.
كما يمنح هذا الهجوم الإيراني، الضوء الأخضر لمزيد من التصعيد في غزة، سواءً باجتياح رفح في أي وقت، أو استخدام الكثير من الأسلحة التي وصلتها مؤخرا، وفق "عفيفي".