منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، لم يتوقف سلاح الجو الإسرائيلي عن قصف قطاع غزة المحاصر بشكل يفوق كل الحروب السابقة عليها مجتمعة، لكن حركة حماس واصلت إطلاق الصواريخ بشكل فعال.
وأثار هذا الأمر تساؤلات دعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى كتابة تقرير يتناول كيفية استمرار حركة حماس في إطلاق الصواريخ صوب إسرائيل رغم مرور أكثر من شهر على استمرار القتال.
وقالت الصحيفة إن سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يوصف بأنه أقوى سلاح من نوعه في الشرق الأوسط، ضرب مقار قيادة حماس وقواعد وبنيتها والتحتية وأفرادها بقوة خلال الأسابيع الماضية.
إطلاق الصواريخ مستمر رغم كل شيء
وكشفت عن أن القصف الصاروخي على غزة في الحرب الحالية هو الأعنف منذ حرب الخليج، ووتيرة القصف تتزايد بصورة يومية.
ومع ذلك، لا تزال صفارات الإنذار تدوي في أنحاء متفرقة من إسرائيل، صباحا ومساءً، ويهرع الإسرائيليون بعدها صوب الملاجئ.
ويسأل كثيرون: كيف يمكن لمسلحي حماس الاستمرار في إطلاق الكثير من الصواريخ، رغم تدمير الكثير من الأهداف العسكرية للحركة؟
واعتبرت الصحيفة أنه من الناحية الظاهرية فالسؤال منطقي، فعندما يتعرض عدو للهجوم، لن يكون بوسعه أن يهاجم، ناهيك عن إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ صوب إسرائيل بهذه السهولة.
وعليه، سيهاجم الجيش الإسرائيلي مواقع إطلاق الصواريخ في قطاع غزة من أجل استعادة الهدوء في الجبهة الداخلية وتقويض قدرات حماس، وفقما يعتقد البعض وينتهي الأمر.
لكن حماس ليست جيشا تقليديا، وبذلك سيكون على سلاح الجو الإسرائيلي التعامل مع تحد مختلف مع ما يعتقده البعض لسبب وجيه.
العودة إلى البداية
وبحسب التقرير، حتى نفهم كيف تواصل حماس إطلاق الصواريخ، علينا أن نسلط الضوء على ترسانتها العسكرية لكي نعرف كيف تعمل.
بدأ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل في أبريل 2001، وكانت حينها قصيرة المدة وحملت اسم صواريخ "القسام"، وكانت محلية الصنع يدخل في تركيبها المواد الكيميائية البسيطة مثل الأسمدة والسكر.
وكانت هناك عشوائية في التصنيع مما يؤدي إلى وقوع إصابات بين عناصر حماس، والوصول إلى موقع الإطلاق كان خطيرا على عاتق من يريد إطلاقه، وكل من يتجرأ على محاولة إطلاق الصاروخ على المستوطنات الإسرائيلية لم يكن لينجح في هدفه.
الحل الإسرائيلي
وتوصل الجيش الإسرائيلي إلى طريقة للتعامل مع هذا التهديد، عبر الاستعانة بطائرات الاستطلاع، ولم يمر وقت طويل، حتى تمكن الجيش من رصد ما يقول "إنها أنشطة مشبوهة"، أي أشخاص يقومون بنصب منصات إطلاق الصواريخ قبل إطلاقها.
وقتل الجيش العديد من عناصر حماس بينما كانوا يجهزون الصواريخ للإطلاق فوق الأرض، حيث كان سرب طائرات مروحية من طراز "أباتشي" يقوم بهذه المهمة من بين طائرات حربية كثيرة يستعملها الجيش.
حماس تعلمت أيضا
حماس، في المقابل، تعلمت الدرس وغيّرت من تكتيك إطلاق الصواريخ.
وطور مقاتلوها صواريخ يمكن التحكم بها بشكل أكثر سهولة.
واتهمت "يديعوت أحرونوت" شركاء حماس وهم "إيران ودول أخرى تدعم الإرهاب" دون أن تسميها بتسهيل حصول حماس على صواريخ أكثر قوة من تلك المحلية المصنوعة في غزة.
وعملت حماس على تبسيط عملية إطلاق الصواريخ بطريقة تتغلب على ميزة التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، وهو ما يقود
إلى الإجابة عن سؤال كيفية استمرار حماس في إطلاق الصواريخ رغم الغارات المكثفة.
وقالت الصحيفة إن هناك 5 أسباب رئيسية وراء استمرار حماس في إطلاق الصواريخ:
الموقع
تنتشر منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحماس وغيرها من الفصائل على رقعة جغرافية واسعة ومأهولة بالسكان، كما تقول الصحيفة، وهو ما يجعل من الصعب رؤيتها من السماء.
وبنت حماس حفرا تخفي آلية الإطلاق والصواريخ التي تستهدف كل منها جزءا مختلفا من إسرائيل.
وتقول الصحيفة إن إطلاق الصواريخ يجري وفقا لجهاز توقيت أو جهاز تحكم عن بعد، وبالتالي يمكن لمسلحي حماس إطلاق الصواريخ من مكان بعيد من دون أن يخاطروا بأنفسهم لمواجهة انتقام الجيش الإسرائيلي.
وبعد ذلك، يحرق الصاروخ منصة الإطلاق، مما يعني أن استخدامها سيكون لمرة واحدة، ولا يمكن لحماس إصلاحها خلال الحرب، وهذا الحال ينطبق على الصواريخ القصيرة المدى التي تضرب المستوطنات المحيطة بغزة، وفقا للصحيفة الإسرائيلية.
أما الصواريخ البعيدة المدى التي تصل إلى مدينة حيفا في الشمال مثلا، فيجري إطلاقها من قاعدة تحت الأرض، ووفق آلية قابلة للاستخدام المتعدد.
وقالت الصحيفة إن موقع الإطلاق جزء من نظام الأنفاق الذي بنته حماس.
ترسانة حماس الصاروخية
خططت حماس لهجومها الصاروخي كي يستمر من دون الحاجة إلى الاعتماد على وظيفة مراكز القيادة، فإطلاق وابل من الصواريخ لا يحتاج من عناصر حماس سوى أمر وجهاز تحكم، وهذا يفسر سهولة إطلاق الصواريخ على إسرائيل من دون الحاجة إلى انتظار التسلسل الهرمي في حماس.
وحتى التصويب ليس مهما بالنسبة إلى المقاتل العادي، لأن كل شيء يكون معدا مسبقا.
وحتى لو تمكنت إسرائيل من اغتيال كبار المسؤولين في حماس، فإن عناصرها الصغار سيبقون قادرين على إطلاق الصواريخ عند الحاجة.
سياسة القوة النارية
نفذت حماس هجوما قاسيا في 7 أكتوبر ضد إسرائيل وهي تعلم يقينا أن جيش الأخيرة سيرد بشن حرب،
وخلال الحرب لن تتلقى دعما أو مزيدا من الذخيرة، لذلك تستخدم ما لديها من صواريخ بحكمة حتى نهاية الحرب.
وهذا السبب هو الذي دفع الحركة لحفر أنفاق عميقة وطويلة وبناء ملاجئ محصنة.
وتسعى سياسة القوة النارية إلى إحداث أكبر ضرر في إسرائيل، مع المحافظة على الصواريخ لحملة حربية مطولة.
ولهذا، نجد أن حماس تطلق كميات صغيرة من الصواريخ في في كل رشقة وتختار أين تكثف تلك الرشقات.
وتعلمت حماس أن إطلاق صاروخ واحد على مكان في إسرائيل مثل ريشون لتسيون قرب تل أبيب، كاف لاحتلال نشرات الأخبار وإحداث الأثر.
استعراض القوة
تواصل حماس، وفقا للصحيفة، إطلاق الصواريخ حتى تستعرض قوتها، فتظهر أنها صامدة في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
ومع استمرار إطلاق الصواريخ، تعطي حماس الانطباع بأنها لا تزال قوية وتملك زمام المبادرة في الحرب.
أولويات الجيش الإسرائيلي
كل حرب هي مسألة موارد، وثمة موارد محدودة من الوقود من الذخيرة والجنود الجاهزين للقتال.
تقول الصحيفة إن الدعم والمساندة اللتين حصلت عليهما إسرائيل من الخارج قد يتغيرا في الحرب، لذلك يركز الجيش على أولويات بعينها في أقصر وقت ممكن، مع استغلال أقل قدر من الموارد.
وذكرت الصحيفة أنه يمكن للجيش أن يركز على أهداف معينة، يمكن أن تفيد إسرائيل، مثل تدمير مراكز قيادة حماس، مما يؤدي إلى إعاقة قدرة الحركة على إدارة الحرب.