في خطوة جديدة من الحكومة العراقية لحصر السلاح بيد الدولة، تفتتح وزارة الداخلية مكاتب تسجيل الأسلحة في جميع المحافظات لمعرفة كميتها ومصادرها ومالكيها وفيما تُستخدم.
منذ عام 2003، يمثّل السلاح المنفلت تحديا كبيرا أمام الحكومة التي تسعى إلى نزع السلاح من المواطنين والكيانات المسلحة، وحصره بيد الدولة عبر خطة تشمل جوانب إعلامية وقانونية وإدارية.
ميراث ثقيل
يقيّم محلل سياسي وخبير أمني عراقيان لموقع "سكاي نيوز عربية"، الخطوة الجديدة التي أعلنتها وزارة الداخلية، خاصة مع الكميات الكبيرة للسلاح في أيدي الأفراد والجماعات، وتوغل ثقافة أن السلاح "مصدر القوة".
ذكر بيان لوزارة الداخلية نقلته وكالة الأنباء العراقية، الخميس، أن اللجنة الوطنية لتنظيم الأسلحة، عقدت في مقر وزارة الداخلية مؤتمرا علميا، بحضور الوزير عبد الإله الشمري وعدد من رؤساء الجامعات الحكومية والأهلية وعمداء كليات القانون وقادة وضباط، بعنوان "المراحل التحضيرية لتسجيل الأسلحة ومحاربة العنف المسلح"، جاء فيه على لسان الشمري:
- العراق تعرّض لفقدان وسرقة كثير من الأسلحة خلال الحروب التي مرت عليه من ضعاف النفوس، وأصبحت عند العديد من الأشخاص خارج الدولة.
- الحكومة، وضمن برنامجها الحكومي، عازمة على تسجيل الأسلحة الخفيفة، وأن تكون معلومة لدى الدولة، وضبط الأسلحة المتوسطة والثقيلة.
- الوزارة ستقوم بفتح مكاتب لتسجيل الأسلحة في جميع محافظات البلاد، وعملية حصرها ستكون ضمن جدول زمني مدروس.
- الأمر بحاجة لتعاون جميع الفئات المجتمعية من مثقفين وأكاديميين وشيوخ عشائر ووجهاء لحصر السلاح بيد الدولة.
قضية معقّدة
يصف المحلل الأمني العراقي، مخلد حازم الدرب، خطة الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة بأنها "قضية معقدة"؛ نظرا لكثرة كميات الأسلحة، سواء كانت خفيفة أو متوسطة أو حتى ثقيلة، بيد الجماعات المسلحة.
تزداد كمية الأسلحة خصوصا في محافظات الوسط والجنوب، وتزايد تكديسها في يد أفراد وجماعات مسلحة وعشائر بعد الاستحواذ على كميات كبيرة من سلاح الوحدات العسكرية منذ عام 2003 (وقت الغزو الأميركي للعراق وحل الجيش)، وخلال الحرب على تنظيم داعش الإرهابي (بداية من عام 2014)، بجانب تجارة وتهريب السلاح عبر الحدود المفتوحة، وفق الدرب.
في ذلك، يتوقع أنه حتى وإن توجّه بعض مالكي هذه الأسلحة لتسجيلها في دوائر ومكاتب الحكومة "فإنهم لن يسجّلوا كل الأسلحة؛ فمن يمتلك أكثر من قطعة قد يسجّل قطعة واحدة خوفا من فقده كل ما لديه".
يقترح المحلل الأمني العراقي لتحفيز مالكي هذه الأسلحة على تسليمها "ولو بنسب تصل إلى 40 أو 50 بالمئة أن يكون التسليم مقابل مبالغ مادية على أساس تقييم القطع المسلّمة".
صناعة ثقافة ضد التسلّح
أهمية خطوة فتح مكاتب لتسجيل السلاح تكمن في أن تعرف الحكومة كمية السلاح المنتشرة في البلاد ومالكيها ومصادرها والهدف من وجودها خارج إطار الدولة، وكذلك إشعار مالك السلاح بأنه "مرصود"، كما ينوه المحلل السياسي العراقي، علي البيدر.
لكن في الوقت نفسه، يلفت إلى أن القضية "تحتاج إلى صناعة ثقافة ضد التسليح في المجتمع، خاصة أن الثقافة الحالية حتى الآن لا تزال عكس هذا الأمر؛ حيث يستشعر المواطن بأنه في حاجة لهذا السلاح مع غياب تفعيل المؤسسات الأمنية، ويتباهى بالسلاح كمصدر قوة".
من جانبه، يقترح البيدر، لمحو هذه الثقافة، التركيز في وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية وكل الجهات على نشر فكرة أن السلاح هو "أداة القتل والفوضى"؛ ما يجبر المواطن على الابتعاد عنه.
وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية، مايو الماضي، عن خطة تشمل جوانب إعلامية وقانونية وإدارية، لحصر السلاح بيد الدولة، منها إجراء عمليات تفتيش ومصادرة للأسلحة الخفيفة غير المسجّلة، وتقديم مالك السلاح المتوسط والثقيل للمساءلة القانونية.
يعاني العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، وسقوط الدولة المركزية بنهاية نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين، من فوضى هائلة في انتشار السلاح، سواء في يد العشائر، أو يد الفصائل والمليشيات المسلحة التي تكوّنت بعد الغزو، وتستخدمه في فرض أجندتها ونفوذها، ومصارعة خصومها من تيارات دينية وسياسية مختلفة.