يخطو المغرب بثبات نحو تحقيق مزيد من المكتسبات في مجال إنتاج الطاقات المتجددة على رأسها الهيدروجين الأخضر، واضعا نُصب عينيه تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتصدير الفائض إلى الدول المجاورة، لا سيما في القارة الأوروبية.
ويرى مختصون أن المغرب، من خلال استثمارات إجمالية تناهز قيمتها 16.4 مليار يورو، بوسعه أن يصبح مزودا رئيسيا لأوروبا في مجال الهيدروجين الأخضر من أجل تلبية 5 في المئة من طلب الدول الأوروبية.
استثمارات ضخمة
الصحيفة الإسبانية "سينكو دياس" المتخصصة في الاقتصاد، سجلت في مقال لها، أن المغرب يرغب في التحول إلى "بلد مهم في قطاع الهيدروجين"، مضيفة أنه "ما فتئ يعزز مكانته في السوق الأوروبية"، في أفق التحول إلى "مزود رئيسي" للقارة.
من جانبها، كشفت دراسة حديثة للمعهد الألماني "فراونهوفر"، المتخصص في البحث في العلوم التطبيقية، إلى أن المغرب يسرع إنتاجه من الهيدروجين الأخضر وصولا إلى ما مجموعه 160 تيراوات/ساعة في أفق سنة 2050.
وفي هذا الصدد تتهافت شركات أوروبية ومغربية للاستثمار في هذا القطاع، بغية إنشاء بنية تحتية تربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال إفريقيا وباقي دول القارة، وهو ما تكلل بإعلان شركة الهيدروكربورات الإسبانية "سيبسا" العام المنصرم عن بناء أنبوب للهيدروجين لنقل الهيدروجين الأخضر من المغرب.
رؤية متكاملة
من وجهة نظر محمد بوحاميدي، الخبير في الطاقات المتجددة، فإن جهود المغرب في سبيل تحقيق التحول الطاقي ليست وليدة اللحظة؛ حيث شرعت الرباط في تطوير الطاقات المتجددة وخاصة الشمسية والريحية على نطاق واسع لتدخل بعدها غمار إنتاج الهيدروجين الأخضر رغم تحديات التخزين وصعوبة احتوائه، إلى جانب الإمكانيات الضخمة التي يتطلبها.
وتابع في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن تسارع التغيُرات المناخية ومع قرب انتهاء صلاحية معظم المحطات النووية في أوروبا، سيعطي المغرب فرصة تزويد القارة بالكهرباء.
واسترسل بوحاميدي أنه لكي يتم التزوّد بالكهرباء بدون انقطاع، أطلق المغرب مشاريع مهيكلة لإنتاج الهيدروجين الأخضر المصنوع من الطاقة الشمسية والريحية، لخفض تكلفة صناعة الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين، الذي يُعد الوقود المستقبلي صديق البيئة الذي سيدير أغلب المحركات.
شراكة مع القطاع الخاص
في السياق ذاته، أكد الدكتور بدر الزاهر الأزرق، أستاذ قانون الأعمال أن المغرب يسعى جاهدا إلى كسب رهان الطاقات المتجددة، ووضع بصمته بين الكبار في هذا المجال.
لافتاً إلى أن هذا التوجه، كان إجبارياً للمغرب بحُكم رغبته في تأسيس اقتصاد تهيمن عليه الصناعة بكل ما تحتاجه من طاقات، وكذا من أجل تحقيق متطلبات النمو والنسب المرجوة.
وتابع في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي، لديه إمكانيات هائلة مقارنة بباقي الدول المجاورة، في مجال إنتاج الطاقات النظيفة.
وأكد في هذا الصدد، أن المملكة تحتاج إلى تمويلات كبرى لا يمكن للحكومة أن توفرها لوحدها، مما استوجب التعامل مع القطاع الخاص، بما في ذلك فاعلين من الاتحاد الأوروبي وحتى من خارجه.
وأبرز المحلل الاقتصادي أن سياسة المغرب المنفتحة آتت أكلها، حيث تم إطلاق مشاريع رائدة ك"نور1" و"نور2" و"نور3" الذي لا يزال قيد البناء، فضلا عن مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر مع شركاء ألمان.
وقد تصبح هذه المبادرات المغربية، قاطرة تجر باقي الدول للاستثمار في هذا المجال، لا سيما أن التوجه العالمي الآن أصبح يطبعه التخلي التدريجي عن الطاقات الأحفورية، على حد قول الأزرق.
وكانت دراسة سابقة أجراها "المجلس الأطلسي" قالت إن المغرب -بما لديه من إمكانات طبيعية- مؤهل لقيادة منطقة شمال إفريقيا فيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما ذكرت دراسة حديثة أيضاً هذا العام، نشرتها شركة "أورورا إنرجي ريسيرش"، أن استيراد أوروبا الهيدروجين الأخضر من المغرب "أكثر جدوى" من الناحية الاقتصادية من الإنتاج المحلي في العام 2030.