على وقع خطر الجفاف الذي يعصف بالأهوار العراقية، ويهدد بتبديد ثرواتها السمكية والحيوانية ولا سيما من الجواميس، التي يعتمد كثيرون من سكانها على رعيها وتربيتها، دقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) مطلع هذا الأسبوع ناقوس الخطر، محذرة من أن منطقة الأهوار التاريخية بجنوب العراق تشهد "أشد موجة حرارة منذ 40 عاما".
تفاصيل التحذير
ونبهت (الفاو) من "العواقب الخطيرة لتغير المناخ وندرة المياه على الأهوار ومربي الجاموس بجنوب العراق".
وأضافت المنظمة أن التقارير الميدانية المقلقة لفرقها العاملة في الأهوار مع وزارة الزراعة العراقية، تشير إلى أن "الأهوار تشهد أشد موجة حرارة منذ 40 عاما، مصحوبة بنقص مفاجئ للمياه في نهر الفرات، حيث بلغ نسوب المياه بلغ 56 سنتيمترا فقط، وفي أهوار الجبايش بلغ من صفر إلى 30 سنتيمترا".
بيان الفاو أضاف أن "مستويات الملوحة العالية والتي تجاوزت 6000 جزء في المليون أدت لإثارة مخاوف المزارعين، وخاصة مربو الجاموس وصيادو الأسماك، وأن ما يقارب 70 في المئة من الأهوار خالية من المياه".
وتتزايد على وقع هذا التحذير الأممي، المخاوف المحلية من حدوث جفاف كامل للأهوار، بسبب ارتفاع الحرارة واحتباس الأمطار على وقع التغير المناخي الذي يضرب العراق بقوة خلال الأعوام القليلة الماضية وبصورة غير معهودة، حيث يعد خامس الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية العالمية وفق وزارة البيئة العراقية والأمم المتحدة.
هذا وتأتي المياه إلى الأهوار من نهري دجلة والفرات، والتي توفر بيئة طبيعية للأسماك والطيور والحيوانات، وتعد نقطة استراحة وتوقف لآلاف الطيور المهاجرة بين سيبيريا وإفريقيا، فضلا عن مناظرها وطبيعتها الخلابة، التي تجعلها من أبرز الوجهات السياحية بالعراق.
مجتمع الأهوار "يندثر"
ويحذر الخبراء البيئيون من أن الخطر العاصف بالأهوار، لا يقتصر فقط على تدمير واحدة من أبرز معالم العراق الطبيعية الموغلة بالقدم، والإخلال بالتوازن البيئي لمناطق عراقية شاسعة، بل يمتد ليشمل حدوث هجرات جماعية أكبر لسكان مناطق الأهوار نحو مدن ومناطق أخرى.
ما يقود لاندثار مجتمع الأهوار من جهة، ويتسبب بضغوط كبيرة ديمغرافيا واقتصاديا وخدميا على المدن والبلدات، التي يقصدها سكان الأهوار من جهة أخرى والذين يعتمدون غالبا على مياه الأهوار لرعي وسقي جواميسهم ومواشيهم وصيد السمك والزراعة وخاصة زراعة الأرز.
رئة العراق
يقول الأكاديمي العراقي والخبير باستراتيجيات المياه الدكتور رمضان حمزة، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية:
- الأهوار إبان انتعاشها حينما كانت الدورة الهيدرولوجية مكتملة العناصر، من مياه وتبخر وحركة مائية تتجدد باستمرار، تسهم في خفض درجات الحرارة بواقع نحو 6 درجات مئوية، عن باقي المناطق المحيطة، وهو رغم كونه قد يبدو خفضا بسيطا نسبيا لكنه بالنظر للحرارة المرتفعة التي يشتهر بها العراق وخاصة في الوسط والجنوب، يحدث فرقا ملموسا.
- مع تفاقم الاحتباس الحراري والتصحر وجفاف الأهوار، فلا شك أن المياه الضحلة هناك باتت تعاني من التلوث والملوحة ولا سيما خلال أشهر الصيف.
- الحلول الأهم تتجسد في ضرورة التوصل لاتفاقات مع تركيا وإيران لضمان حقوق العراق المائية من نهري دجلة والفرات وروافدهما، وهو ما بات لا يحتمل التأجيل والمجاملة.
- الأهوار لطالما مثلت رئة العراق، وشكلت جزءا محوريا من دورة هيدرولوجية عالمية ومحطة مهمة في هجرات الطيور حول العالم، بحيث مثلت عامل توازن بيئي وعنوان تنوع أحيائي ثري.
- تتضافر عوامل تغير المناخ والاحترار والجفاف مع شحة الاطلاقات المائية من دول المنبع وسوء ادارة الموارد المائية المحلية، لتقف وراء حدوث هذه الكارثة التي تحيق بالأهوار وتهدد التنوع الحيوي والتوازن البيئي في بلاد الرافدين.
وكانت اليونسكو بمناسبة إدراجها في لوائح التراث العالمي في 2016، قد وصفت الأهوار العراقية بأنها فريدة من نوعها، باعتبارها واحدة من أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم في بيئة جافة وشديدة الحرارة، وأنها تمثل ملاذ تنوع بيولوجي وأحيائي وموقعا تاريخيا لحضارة ما بين النهرين.