تستشرس ظاهرة التغير المناخي في العراق، لدرجة أن تداعياتها المتمثلة في تزايد وتيرة التصحر والجفاف وشح المياه، وصلت لحد حرمان آلاف العراقيين، في بعض مناطق محافظة الأنبار غربي البلاد من مياه الشرب.
وتعاني تحديدا منطقة العنكور القريبة من قضاء الرمادي، والتي يزيد عدد سكانها على 9 آلاف نسمة، من بوادر أزمة عطش بسبب عدم توفر مياه الشرب للمواطنين، جراء توقف مضخات المياه نتيجة انخفاض مناسيب نهر الفرات، وجفاف جزء كبير من بحيرة الحبانية التي تطل عليها.
استغاثات السكان
مع تفاقم أزمة عدم توفر مياه الشرب، قام أبناء المنطقة بالهجرة نحو مناطق أخرى داخل المحافظة، فيما يجهد المتبقون فيها للحصول عليها من خلال شراء المياه عبر الصهاريج، والتي غالبا تكون غير نقية ولا تصلح للشرب، أو الاعتماد على المياه التي تحاول توفيرها لهم منظمات خيرية وإنسانية وفق شهادات السكان واستغاثاتهم عبر الشبكات والمنصات الاجتماعية.
شبح العطش
ويرى خبراء بيئيون أن ما كانوا يحذرون منه باستمرار قد حصل، وأن هذه المنطقة صحيح أنها الأولى التي تواجه خطر عطش سكانها، لكنها لن تكون الأخيرة وفقهم في ظل استفحال أزمة تغير المناخ التي تعصف بالعراق كخامس أكثر دول العالم تضررا منها وفق الأمم المتحدة، وتلكؤ الحلول لمواجهتها وعدم ضمان حصص العراق وحقوقه في مياه دجلة والفرات.
يقول الخبير البيئي وعضو الاتحاد العالمي لحفظ الطبيعة أيمن هيثم قدوري، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية":
- تواجه مناطق العنكور والمجر التي يقطنها أكثر من 10 آلاف نسمة خطر العطش والواقعة إلى الجنوب من بحيرة الحبانية، وتعتمد بشكل رئيسي على مياه البحيرة لسد الحاجة اليومية للمياه، فاغلاق سدة الرمادي (سدة الورار) قاد لجفاف ناظم الورار الذي يعتبر الناقل الرئيسي للمياه من نهر الفرات لبحيرة الحبانية، نتيجة الشحة المائية المستمرة التي يعاني منها نهر الفرات، وانحسار مياهه بسبب تجاوز تركيا على الحصة المائية للعراق.
- تجفيف ناظم الورار هو الآخر أخرج ما يقارب 85 ألف دونم زراعي عن الخدمة، نتيجة ذلك انحسرت مياه بحيرة الحبانية بنسبة 40 بالمئة ما نجم عنه ابتعاد البحيرة عن محطات الضخ والتحلية لأكثر من 2 كيلو متر، وهو ما انعكس سلبا على المناطق السكنية القريبة وأبرزها منطقة العنكور.
- أزمة الجفاف وصلت لحد انقطاع مياه الشرب تماما عن المنطقة، فضلا عن فقدان بحيرة الحبانية للثروة السمكية التي تعتبر مصدر رزق عوائل قرية العنكور.
- ما يزيد المشهد كارثية أن وزارة الموارد المائية قائممقام قضاء الحبانية، بإن البحيرة ستخرج عن الخدمة قريبا لعدم قدرة الوزارة على فتح سدة الرمادي ونقل المياه عبر ناظم الورار باتجاه البحيرة بفعل انخفاض مناسيب نهر الفرات، ما يعني تهديد استقرار 7 آلاف عائلة أخرى تسكن مناطق الطاش و البوجابر و الحميرة شمال و شمال غرب بحيرة الحبانية.
- الجفاف أدى لتحول المياه في الشقوق المكرية (الشقوق الاصطناعية) التي تعمل على تقريب مياه البحيرة نحو المضخات لمياه آسنة ملوثة بنسبة 100 بالمئة، نتيجة تفسخ المواد العضوية وتحولها لمصدر للأمراض والأوبئة.
- أزمة العطش بدأت بالفعل وشرعت عوائل العنكور بالهجرة من المناطق المتعرضة للجفاف باتجاه الرمادي شمالا.
حلول آنية
- على الحكومة المحلية في الأنبار والحكومة الاتحادية في بغداد، تكثيف الجهود لإنقاذ المناطق المنكوبة بفعل الجفاف، وذلك عبر إجراءات عاجلة أهمها:
- حفر القنوات والشقوق لتقريب مياه بحيرة الحبانية نحو القرية.
- تجهيز المنطقة بمضخات لإيصال المياه إلى المجمعات المائية في المنطقة، لغرض تحليتها ومعالجة مسألة التلوث الميكروبي بالملوثات الاحيائية (بكتريا القولون والبكتريا البرازية) الناتج من خفض اطلاقات المياه للبحيرة، ومن ثم إيصال المياه للمواطنين بعد المعالجة.
- إرسال فرق حفر الآبار التابعة إلى الهيئة العامة للمياه الجوفية لحفر آبار أرتوازية للمنطقة، بشرط تقييم صلاحية استخدام مياه الآبار ومدى ملائمتها للاستهلاك البشري، كون منطقة العنكور محاطة بالمياه المالحة من 3 جهات.
ماذا بعد؟
- هذه الحلول لن تبقى فعالة لوقت طويل، وهي ستعمل فقط على تدارك الأزمة ربما لفترة قصيرة، حيث تحتاج القرى البعيدة عن المياه العذبة وتحيطحها المياه المالحة لوضع استراتيجيات ادارة مستدامة، وتنفيذ مشاريع اعادة تدوير المياه مع ترشيد استهلاكها.
- وهنا لا بد من تفعيل السياسة المائية الخارجية، فالحكومة مطالبة بالتعجيل في تدارك كارثة ادارة ملف المياه، بشكل يضمن للعراق حصوله على حصصه المائية العادلة، وبغير ذلك فإن بلاد الرافدين لن تصمد أمام استفحال أزمة الجفاف مستقبلا.