بعد محاولات استمرت 4 ساعات، تمكنت أسرة آمنة من الوصول إلى مدينة واد مدني بوسط السودان، والتي تبعد نحو 180 كيلومترا عن العاصمة الخرطوم؛ فارة من بيتها في حي العمارات المتاخم للمطار والقيادة العامة للجيش، والذي يعاني سكانه لليوم الثامن على التوالي من خطر القصف المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع.
تزايد موجة نزوح
وتزايدت موجة نزوح السودانيين أكثر صباح الأحد، حيث أججت حركة إجلاء البعثات الدبلوماسبة والرعايا الأجانب من الخرطوم التوقعات باستمرار القتال بين الجانبين، وسط ارتفاع كبير في أسعار النقل التي تضاعفت بأكثر من 5 مرات.
وقالت آمنة لموقع "سكاي نيوز عربية" إن خروج الأجانب بهذه السرعة يعني أن لدى السفارات معلومات بأن الحرب ستستمر لمدة طويلة؛ وهو ما يجعل الكثير من السودانيين التدافع للخروج من الخرطوم إلى مدن ومناطق أقل خطورة.
وعلى الرغم من أنها المرة الأولى التي تغادر فيها أسرة آمنة منزلها في الخرطوم؛ إلا أنها لم تعاني في الحصول على مأوى في المدينة الجديدة التي لجأت إليها؛ حيث وجدت عند مدخل المدينة مجموعة من الشباب المتطوعين الذين يقومون باستقبال الأسر وأخذهم إلى أماكن جهزت خصيصا لهم.
وتوضح آمنة أن حركة النزوحمن الخرطوم كبيرة للغاية، لكنها أشارت إلى أن سكان المدن الممتدة على طول الطريق الرابط بين الخرطوم ومناطق وسط البلاد كانوا يتبارون على استقبال القادمين من الخرطوم الذين أحبرتهم ظروف الحرب على ترك بيوتهم وممتلكاتهم. وتضيف "شيء لا يصدق أن يجد العشرات من الآلاف من الفارين من يأويهم بكل ترحاب".
وياتي هذا التدافع نحو الخروج من الخرطوم على الرغم ارتفاع تكلفة نقل الركاب إلى المدن الأخرى بأكثر من 5 مرات مقارنة بما كانت عليه قبل اندلاع الاشتباكات.
وفي حين اتهم المواطنون الفارون من القنال شركات النقل باستغلال الأوضاع الحالية وحاجة الناس للسفر، يؤكد مسؤولون في تلك الشركات أن انعدام الوقود أدى إلى مضاعفة أسعار النقل بشكل غير مسبوق.
وبسبب احتدام القتال توقفت أكثر من 95 في المئة من محطات الوقود في الخرطوم، مما فتح الباب أمام انتشار ظاهرة بيع البنزين في السوق السوداء.
تصعيد القتال
يبدو أن بدء مغادرة الأجانب، ونسبة كبيرة منهم دبلوماسيون وعمال إغاثة، ستكون لها تداعيات خطيرة على السكان المدنيين في السودان، ولعل أبرز أمر متوقع في هذا الإطار هو تصعيد القتال بين الجنرالين المتقاتلين، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس" أن ثمة مخاوف أن يعمد البرهان وحميدتي إلى تصعيد معركتهم الشاملة من أجل الاستحواذ على السلطة بمجرد انتهاء عمليات الإجلاء.
ولا تزال الاشتباكات مستمرة في الخرطوم وغيرها من المناطق السودانية، رغم وجود تهدئة معلنة تنتهي اليوم شهدت فترات من الهدوء الحذر.
ويخشى كثيرون أن تكون الأطراف المتحاربة استغلت الفرصة لتعزيز مواقعها، بما يؤدي إلى اندلاع قتال أشد بعد انتهاء التهدئة.
ويقول سليماني الكوني، وهو طالب مصري كان يدرس في السودان: "لقد سافرنا لمدة 15 ساعة على عاتقنا الشخصي".
وكان الكوني يتحدث عند معبر أرقين مع مصر، حيث اصطفت الحافلات في هذه المنطقة الصحراوية النائية وعلى متنها مئات الأشخاص.
وقال الكوني إنه واحد من عشرات الطلبة المصريين الذين خاضوا هذه الرحلة المضنية، غير أنه أضاف مستدركا " لكن هناك الكثير من الأصدقاء الذين لا يزالون محاصرين في السودان".
وكتب المخرج السوداني البارز، أمجد أبو العلاء، على صفحته بموقع "فيسبوك" أن والدته وأشقاءه وأبناء أخيه في طريقهم من السودان إلى القاهرة عبر أسوان، مشيرا إلى المدينة الواقعة في أقصى الجنوب المصري.
ترك السواديين بلا أمل
اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن عملية إنقاذ الدبلوماسيين ستترك آلاف الرعايا الأجانب وملايين السودانيين بلا أمل في الأمان.
وذكرت مفوضية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين أن ما بين 10- 20 ألف شخص فروا من إقليم دارفور في غربي السودان وصلوا إلى تشاد منذ اندلاع القتال، وغالبيتهم من النساء والأطفال.
ونقلت الصحيفة عن سودانيين قولهم إن مغادرة الموظفين الغربيين "تمثل خيانة لهم"، متهمين دولهم بأنها ساهمت في دفع بلادهم صوب الفوضى.
الإغاثة الحيوية باتت مستحيلة
وغادر المئات من موظفين الأمم المتحدة في رحلة برية استمرت 19 ساعة.
ومع مغادرة هؤلاء، ستضرر بشكل كبير علميات إغاثة السواديين في بلاد يعتمد ثلث سكانها على المساعدات الإنسانية.
ولا يزال هناك 16 ألف مواطن أميركي في السودان، وهؤلاء لا يعملون لحساب الحكومة الأميركية، وكثير منهم من مزدوجي الجنسية.
وذكر مسؤولون أميركيون أنهم لا يستطيعون إجلاءهم بسب المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها عمليات الإجلاء في ظل الظروف الراهنة، ويكتفون بتقديم إرشادات حول سبل المغادرة وغيرها من المعلومات اللوجستية.
وقال السيناتور الأميركي عن الحزب الديمقراطي، كريس كونز، إنه قلق على أمن وسلامة المواطنين الأميركيين الذين يعملون في بعثات الإغاثة أو خدموا السودانيين بطرق أخرى.
وجاءت عملية مغادرة الموظفين الدوليين بعدما أصبحت ظروف عملهم شديدة الخطورة، إذ قتل 4 منهم منذ اندلاع القتال الذي أودى بحياة أكثر من 400 سوداني حتى الآن.