لفظ عيسى البالغ من العمر 4 سنوات أنفاسه الأخيرة متأثرا بجفاف وسوء تغذية حادين للغاية، بعد ساعات من وصوله بمعية أمه وإخوانه الثلاثة إلى أحد معسكرات النازحين، هربا من الجوع الذي ضرب قريتهم في الصومال.
- تبعد قرية عيسى 200 كيلومتر إلى الجنوب من المعسكر الذي أقامته مجموعة من المنظمات الإنسانية الدولية في جنوب غرب الصومال، ضمن عشرات أخرى وضعت لاستيعاب مئات الآلاف من الفارين من الجوع من مختلف أنحاء البلاد التي تعاني أسوأ موجة جفاف منذ أربع عقود.
- أوقع الجفاف أكثر من 8 ملايين في دائرة الجوع القاتل التي تطال الآن سكان المدن.
- لم تقف دائرة الجوع عند حدود المناطق الريفية، إنما بدأت تزحف نحو المدن، بعدما كانت في مأمن مثل العاصمة مقديشو، في ظل ارتفاع الأسعار التي يصفه خبراء بـ"الصاروخي".
مأساة حقيقية
مثلها مثل الملايين من أصحاب "البطون الخاوية"، الباحثين عن مساعدات تسد رمقهم، اضطرت حليمة موسى والدة عيسى إلى الفرار مع أبنائها الأربع من قريتها بعد شهور من شظف العيش ونفاد مخزونها القليل من الذرة.
وقطعت مسافة 200 كيلومتر تارة بالأرجل وتارة اخرى بالدواب عبر مناطق يخيم عليها الجفاف وتكسو أراضيها عظام وأشلاء الماشية النافقة جوعا وعطشا، كي تصل إلى المعسكر.
وظنت حليمة عند وصولها إلى المعسكر أن ما ستحصل عليه من مساعدات غذائية سيرمم أجساد أطفالها المنهكة، لكن ذلك لم يجد مع صغيرها عيسى الذي فشلت المحاليل الوريدية والتدخلات الغذائية التي قدمت له في إعادة الحياة إلى جسمه المصاب بجفاف وسوء تغذية حاد.
في الواقع، كان عيسى واحدا من 340 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في الصومال.
وتواجه البلاد أسوأ موجة جفاف منذ 4 عقود جعلت نصف السكان البالغ عددهم نحو 17 مليون نسمة في حاجة إلى تدخلات غذائية وإنسانية عاجلة قدر تكلفتها برنامج الغذاء العالمي بنحو 2.6 مليار دولار.
ولم يتوفر منها سوى أقل من 10 في المئة بسبب انشغال المجتمع الدولي بأزمات اقتصادية وسياسية طاحنة في مناطق أخرى من العالم.
وضع كارثي
ووفقا لعبد الرحمن عبد الشكور المبعوث الخاص للاستجابة للجفاف في الصومال، فإن الأمر يبدو في غاية الخطورة والتعقيد حيث تتزامن موجة الجفاف الواسعة التي تضرب 90 في المئة من البلاد مع أزمة إمدادات الحبوب المتفاقمة الناجمة عن الحرب المستمرة في أوكرانيا لأكثر من عام.
ويقول عبد الشكور لموقع "سكاي نيوز عربية" إن معظم المتضررين من الجفاف هم المزارعون ومربو الماشية الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان، الذين أدت موجة الجفاف الحالية إلى تدمير كامل لمصدر رزقهم.
ويوضح: "أثرت موجات الجفاف المقترنة بالصراع في أوكرانيا على إمدادات الحبوب والوقود، مما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الصومال التي تعتمد على السوق الأوكرانية لتامين 75 في المئة من وارداتها من الحبوب".
ويشير عبد الشكور إلى اتساع كبير في رقعة الجوع التي باتت تغطي جميع أنحاء البلاد تقريبا في ظل ارتفاع صاروخي في أسعار السلع الغذائية وشح غير مسبوق في مصادر المياه خاصة في المناطق الريفية، في حين يواجه سكان المناطق الحضرية ضغوطا متزايدة تجعل حياتهم ليست أفضل حالا من مواطنيهم في الريف ومعسكرات النازحين التي تشهد هجمة شرسة أثرت كثيرا على طاقتها الاستيعابية.
تأثير شامل
- اتسعت خلال الأسابيع القليلة الماضية التأثيرات الكارثية لموجة الجفاف والجوع المأساوية التي تعيشها الصومال لتشمل حتى العاصمة مقديشو والمدن القليلة الأخرى التي كانت نسبيا في مأمن من تلك الموجة.
- أدى الجفاف إلى انهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تشكل مصدر الدخل الأساسي لمئات الآلاف في المدن والمناطق شبه الحضرية.
- تأثرت معظم الأنشطة الاقتصادية وأنشطة الشركات بارتفاع ارتفاع أسعار والوقود ومدخلات الإنتاج، مما أدى إلى موجة تسريح واسعة.
حقائق مفجعة
- تتوقع دراسة مشتركة أجرتها الأمم المتحدة والحكومة الصومالية أن يصل عدد الذين يموتون جوعا في الصومال خلال الأشهر الست الأولى من العام 2023 إلى نحو 34 ألف شخص.
- توفي 43 ألف صومالي في العام 2022 بسبب نقص الغذاء كما نفقت مئات الآلاف من الماشية نتيجة نقص الكلأ والمياه.
- 1.4 مليون صومالي اضطروا للنزوح خلال الأشهر الماضية من مناطق سكنهم الأصلية بعد أن فقدوا مصادر رزقهم الأساسية بسبب موجة الجفاف الحالية وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية.