أثارت وفاة طفلة بمدينة تطوان شمالي المغرب جدلا بمنصات التواصل الاجتماعي، بعد خطأ طبي مفترض أدخلها غيبوبة ألزمتها الفراش لأشهر، وذلك في أعقاب خضوعها لعملية بسيطة.
ولفظت سلمى الياسيني التي كانت تبلغ قيد حياتها 8 سنوات، أنفاسها الأخيرة، مساء الأربعاء بمستشفى "سانية الرمل" في تطوان، بعدما ظلت تصارع الموت في قسم الإنعاش لما يقارب 3 أشهر، بسبب عملية جراحية بسيطة لاستئصال اللوزتين بالمستشفى الإقليمي لمدينة المضيق (شمال).
وحملت تصريحات الأب اتهامات صريحة للطواقم الطبية التي أشرفت على حالة ابنته بالتسبب في وفاتها، كما تحولت قضية الطفلة إلى قضية رأي عام، حيث توالت البيانات والأسئلة البرلمانية التي تطالب بإجراء تحقيق طبي لتفسير أسباب تدهور حالة سلمى ومحاسبة المسؤولين عن "الإهمال" الذي طالها، على اعتبار أن مثل هذه العمليات بسيطة ومن الغريب أن تنتهي بهذه المأساة.
وارتفعت أصوات غاضبة للمناداة بفتح تحقيق في وفاة الطفلة سلمى، وفي ظروف العمل في بعض المستشفيات المغربية.
وطالب النائب المعارض خالد آيت الطالب وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربي، بفتح تحقيق عاجل في وفاة سلمى.
تعريف الخطأ الطبي
من وجهة نظر ياسين الفاسي، وهو محام في هيئة منطقة الناظور الحسيمة (شمال)، فإن "معايير تقدير الخطأ في التشخيص من أصعب ما يوصف عندما يعرض الأمر على القضاء. هذا الأخير غالبا ما يسند أمر تقدير هذه الأخطاء إلى أهل الخبرة والمهنة في الحالات التي تتطلب الدقة لتحديد المخطئ".
وأضاف في مقال بعنوان "مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي"، أن "جرائم القتل بصفة غير عمدية التي يحدثها الطبيب كسائر الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي تستوجب تحقيق ركنها المادي، هذا الأخير بدوره يقتضي لقيامه وجود فعل إجرامي من جانب الجاني الطبيب أو الجانية الطبيبة باعتبار هذا الفعل سببا جرميا، وكذا توفر نتيجة إجرامية غالبا ما تتمثل في وفاة المريض أو الذي يستهلك الخدمة الطبية".
وبحسب الفاسي، فإنه "يتعين إلى جانب شرطي الركن المادي أعلاه، ضرورة تحقق رابط مادي وقانوني بين الفعل الجرمي والنتيجة الإجرامية. ويُطلق على هذا الشرط الرابطة السببية بين نشاط الطبيب الإجرامي ونتيجة ذلك النشاط".
المسؤولية الطبية
كما اعتبر المحامي بهيئة فاس نبيل علواني، أن المسؤولية الطبية مفهوم فضفاض، وهناك التزام بالنتيجة في إطار العقد الطبي الذي يربط الطبيب الجراح بالمريض"، مضيفا أن المريض يعتبر “مستهلكا”، مما ينطوي على تمتعه بالحق في الحصول على خدمات عالية الجودة وضمان سلامته.
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مناقشة الخطأ الطبي تقتضي بالضرورة التطرق إلى مسؤولية الأطباء، معتبرا أن "الأطباء الذين يعملون بالقطاع العام يخضعون لقواعد القانون العام بصفة عامة ولقواعد المسؤولية الإدارية بصفة خاصة، أما العاملين في القطاع الخاص الذي يعتمد على أساس حرية اختيار الطبيب المعالج، فيخضعون للمبادئ التي ينظمها قانون السلوك الطبي والأساس الفلسفي لمهنة الطب على اعتبار أنها رسالة، أو ما يسمى بروح المهنة".
وفي جوابه على سؤال بخصوص كيفية تحديد مسؤوليات الطبيب المدنية، أكد المحامي أنها "تنقسم إلى مسؤولية عقدية وأخرى تقصيرية. الأولى تنبع من العقد الذي يجمعه مع المريض الذي يوجب عليه بدل قصارى جهده وتأدية دوره كطبيب عارف بفنون مهنة الطب ومتتبع لمستجدات عمله من وسائل استكشاف المرض، وأدوية حديثة، وتلافي الأخطاء، بالمقابل يلتزم المريض بدفع أتعابه".
وكقاعدة عامة، يضيف الخبير، فإن "التزام الطبيب لا يعدو أن يكون التزاما بالوسائل، أي أنه لا يتعهد بضمان نتيجة ما، وإنما باستخدام كافة الوسائل اللازمة لتحقيق هذه النتيجة".
ويتابع علواني: "أما بخصوص المسؤولية التقصيرية للطبيب فإنها تنبني بالأساس على مقتضيات الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر أن كل شخص مسؤول عن الضرر المادي أو المعنوي الذي أحدثه بفعل خطئه، وذلك حينما يثبت أن ذلك الخطأ هو السبب المباشر في الضر،؛ ومن ثمة فإن تقصير الطبيب أو إهماله عن بدل العناية اللازمة يحمله المسؤولية في هذه الحالة".
عقوبات منتظرة
• حسب علواني، ففي هذه القضية يمكن متابعة مقترف الخطأ الطبي بمقتضى المادة 432 من القانون الجنائي.
• تنص المادة على أن "من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته، النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي، أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات، وغرامة من 250 إلى ألف درهم".
• رغم أن المادتين 432 و433 من القانون الجنائي ليستا مخصصتين صراحة في الأخطاء الطبية، لكنهما تعاقبان كل تقصير بشري، يتسبب في تداعيات ضارة للأشخاص.
• مع ذلك، فإن المحاكم المغربية تميل إلى تطبيقهما بمجرد تحديد المسؤوليات من خلال الاستعانة بخبرة طبية.