حدثت تحولات كبرى في التركيبة السكانية بتونس، خلال أقل من 40 عاما، إذ اتجه المجتمع أكثر فأكثر نحو زيادة عدد المسنين بعدما كان مجتمعا شابا، وهو أمر يُرد إلى أسباب متعددة، وينطوي على أعباء أكبر على الدولة التونسية، كما يقول خبراء.
وبيّنت دراسات ديمغرافية أن فئة المسنين تمثل 13 في المئة من السكان في تونس، وسط توقعات بأن تبلغ 17 في المئة بحلول عام 2029.
وتقول السلطات في تونس إنها تعمل على تقديم المزيد من الاهتمام بفئة كبار السن، مثل توفير اعتمادات مالية بقيمة 15 مليون دينار تونسي (حوالى 5 ملايين دولار) في 2023، لتهيئة وتوسيع مراكز إيواء كبار السن فاقدي السند.
أسباب شيخوخة المجتمع التونسي
ويفسر المختص في قضايا السكان والتنمية، أحمد عبد الناظر، ظاهرة ازدياد المسنين في تونس بأنها تحول ديمغرافي طبيعي تشهده بلاده وكامل المنطقة العربية.
وأوضح عبد الناظر في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "الخصوصية التونسية تتمثل في حدوث هذا التحول الديمغرافي بشكل أسرع مما حدث في البلدان الأوربية المجاورة، حيث سننتقل من مجتمع شاب جدا إلى مجتمع هرم في فترة تتراوح بين 20 و40 سنة فقط".
واعتبر أن هذا "تحول سريع جدا مقارنة بالبلدان الأوربية التي استغرقت مئة سنة لحدوث التحول الديمغرافي".
وأكد عبد الناظر أن مسار شيخوخة السكان مسار طبيعي يتدخل فيه الإنسان، لأن نمو السكان كان يحصل طبيعيا وبعد تدخل سياسات تنظيم الأسرة في المجتمعات الحديثة انخفضت الخصوبة، وتنظمت عمليات الإنجاب.
وتعاضد ذلك مع تطور المنظومات الصحية وانخفاض معدلات وفيات الرضع والأطفال وكبار السن، التي ساهمت في ارتفاع أمل الحياة عند الولادة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية وخروج النساء للعمل التي قلصت عدد الولادات.
وأشار المختص الديمغرافي إلى حضور كل هذه المؤشرات في المجتمع التونسي زمن بناء الدولة الحديثة، مما سرّع مسار التحولات الديمغرافية والوصول إلى حالة شاخ فيها السكان خلال 40 سنة.
وقال إن أمام المجتمع التونسي فرصة إضافية للتنمية قبل زياد عدد السكان في سن الشيخوخة، لأن المسارات الديمغرافية في مرحلة ما قبل هرم السكان تشير إلى وجود فئة ضخمة من السكان تمثل قوة عمل، ويعبر عنها بفئة السكان النشيطة، وبإمكانها أن تنتج الثروة وتعيل نسبة قليلة من الأطفال الشيوخ.
وأوضح أنه جرى التعبير عن هذا الأمر فيما عُرف بـ"الفرصة الديمغرافية الذهبية" التي أحسنت استغلالها دول شرق آسيا، ولكن في تونس يبدو أننا ضيعنا هذه الفرصة في السنوات الماضية بعدم الاستفادة الجيدة من السواعد و الأدمغة ".
التداعيات
ويحذر عبد الناظر من التداعيات التي تنطوي عليها زيادة نسبة الشيخوخة بين السكان، إذ يثمل الأمر تحديا الكبير جدا أمام الدولة التونسية، لأن كبار السن لا يتمتعون كلهم بالتغطية الاجتماعية والصحية، منهم من لا يمتلك دخلا أو راتبا تقاعديا.
وعليه، سيكون على الدولة عبء إعالتهم ورعايتهم الصحية والاجتماعية، مما يتطلب تمويل أكبر خاصة في المجال الصحي، إلى جانب تأهيل العائلات لتوفير ما يحتاجه المسن من رعاية مادية وعاطفية، لأن الهدف ليس مجرد العيش، بل ضمان العيش بكرامة.
ومن جهتها، اعتبرت أستاذة علم الاجتماع الديمغرافي، صفاء بن صالح، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "تهرم السكان هو سيرورة تاريخية متوقعة، ولكن خاصيته في تونس أنه كان تحولا سريعا من حيث البعد الزمني.
واعتبرت أن "هذا الأمر يدعو لتعديل السياسات العمومية في مجال رعاية المسنين لتستجيب للتحول الديمغرافي السريع، حتى لا نكون أمام فئة هشة عبئا على المجتمع وتعاني من الصعوبات الصحية وضعف التغطية الاجتماعية".
يذكر أن الأمم المتحدة أصدرت تقريرا في مايو الماضي بيّن أن نسبة النمو السكاني في تونس لم تتجاوز 1.06% بين عامَي 2019 و2020.
وقال التقرير إن البلاد ستعيش على وقع هرم السكان بعد ثلاثة عقود، حيث لن يتجاوز معدل الإنجاب 2.2 مولود لكل امرأة، في ظل عدم استفادة المجتمع من هيمنة السكان النشيطين في المرحلة العمرية بين 15 و 59 سنة لتحقيق النمو الاقتصادي.