مَثُل الليبي أبو عجيلة مسعود المريمي، أمام محكمة في العاصمة الأميركية واشنطن الثلاثاء، حيث يواجه اتهاما بالتورط في تفجير طائرة أميركية فوق بلدة لوكربي باسكتلندا عام 1988، في القضية المعروفة إعلامية بـ"قضية لوكربي".
تحدث أبو عجيلة، أمام قاضي التحقيق الأميركي روبن ميريويذر، باللغة العربية في ظل وجود مترجم، حيث قال إنه يفهم صحيفة الاتهام الموجهة له، لكن لن يتحدث عن أي شيء بخصوص القضية إلا بعد اجتماعه مع محاميه، لتمنحه المحكمة أسبوعا لتوفير المحامي، على أن تنعقد مجددا يناير المقبل، حسب "وول ستريت جورنال" الأميركية.
أقصى عقوبة يواجهها أبو عجيلة
لن تطلب حكومة الولايات المتحدة معاقبته بالإعدام، وبالتالي فإن الحد الأقصى للعقوبة سيكون السجن مدى الحياة، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" عن ممثل الادعاء في القضية، إريك كينرسون.
في حين أكد البيت الأبيض، على لسان مستشارة الأمن الوطني الدكتورة ليز راندال، أن احتجاز أبو عجيلة تم "بشكل قانوني"، بينما أشاد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بـ"العمل الدؤوب" لوزارة العدل من أجل ملاحقته.
غموض ملابسات الاحتجاز
لكن الغموض ما زال يلف عملية احتجاز وتسليم أبو عجيلة إلى الولايات الأميركية، حيث لم يتحدث المسؤولون الأميركيون عن الأمر، بينما تتبقّى رواية أسرته التي قالت إن عناصر "القوة المشتركة"، التابعة للحكومة منتهية الولاية بقيادة عبدالحميد الدبيبة، داهمت منزل مسعود في منتصف نوفمبر الماضي واحتجزته في مقر لها بمدينة مصراتة.
حاول أقرباؤه لقاء الدبيبة لمعرفة مصيره، كما أرسلوا وفدا في إحدى المرات للاطمئنان على سلامته، حتى فوجئوا مطلع هذا الأسبوع بإعلان وجوده في الولايات المتحدة.
ردود فعل غاضبة
أثارت العملية ردود فعل ليبية واسعة، حيث طلبت رئاسة مجلس النواب من النائب العام المستشار الصديق الصور، تحريك الدعوى الجنائية ضد المتورطين في العملية، كما ندد نواب البرلمان بالواقعة التي تخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية والمحلية، ووصفوها بـ"الجريمة النكراء"، مطالبين بتوجيه تهمة "الخيانة العظمى" للمتورطين في فتح القضية مجددا.
يفترض أن القضية أغلقت تماما بموجب اتفاقية التسوية الموقعة في العام 2008 بين ليبيا والولايات المتحدة، والتي تنص على أنه "لا يجوز فتح أي مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر قبل تاريخ 30 يونيو العام 2006"، كما يوضح مستشار الأمن القومي الليبي، إبراهيم بوشناف.
بينما طلب رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، من السلطات الأميركية توضيح كيفية وصول أبو عجيلة إلى واشنطن، حيث جرى احتجازه "خارج إطار القانون"، ودعت وزارة العدل إلى الإفراج الفوري عنه وإعادته إلى أرض الوطن.
محاولة لاحتواء الغضب
دفع رد الفعل الرسمي والشعبي في ليبيا، البيت الأبيض والمؤسسات الأميركية، إلى إصدار تصريحات بشأن القضية في محاولة لتهدئة وطمأنة الليبيين، كما يرى المحلل السياسي الليبي سليمان البيوضي، وهو ما يعد محاولة لاحتواء الموقف وتجنب مشكلة تضعف من الدور الأميركي في الأزمة الليبية.
تظهر التصريحات الأميركية احتراما للإجراءات القانونية في ليبيا، ما يؤكد ضرورة صدور تفسير من الجهات المعنية، سواء المجلس الرئاسي أو النائب العام، بشأن تفاصيل تسليم أبو عجيلة، كما يشير البيوضي.
يتطلب الأمر استمرار الضغط المحلي الرافض لمبدأ تسليم مواطن ليبي لجهة أجنبية، من أجل خلق حالة دولية ومحاسبة المسؤولين عن تسليمه، وفق المحلل السياسي.
تفسيرات سياسية
ليس مستغربا سعي الحكومة الأميركية لما تراه في صالح مواطنيها، لكن علامات الاستفهام ما زالت تحوم بشأن الصمت المستمر مِن جانب حكومة الدبيبة، وهو ما فتح الباب أمام التفسيرات بشأن الاستخدام السياسي لمسألة تسليم "أبو عجيلة"، حسب الكاتب الصحفي الليبي، الحسين الميسوري.
لا يتعلق الأمر بنظام العقيد معمر القذافي، لكن القضية أخذت صبغة وطنية في ظل شعور الليبيين بأن ما حدث يمس بشكل مباشر مسألة السيادة، والحديث للميسوري.
عانت ليبيا طوال عقد من الزمان، بعد عام 1988، ظروفا صعبة اقتصادية وحصارا، ودخلت في مفاوضات عصيبة بعد ذلك لغلق ملف "قضية لوكربي" للأبد.