لا زالت تتفاعل أصداء زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، التفقدية لأحد مستشفيات العاصمة بغداد، وما عبر عنه إثرها من استياء وغضب لما شهده من تردي في الخدمات ومستويات الرعاية الصحية، ومن تذمر المرضى الراقدين فيه وشكاواهم.
وانتشرت بكثافة في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية العراقية، مقاطع مصورة تتضمن تعليق السوداني على ما رآه خلال جولته، قائلا: "الله لا يوفقنا على مثل هذه الخدمة".
وهو ما دفع الحكومة لإصدار أوامر بنقل عدد من الأطباء والموظفين من المستشفى، عقابا على ما يشهده من إهمال وتقصير وتسيب، لكن هذا القرار لاقى استياء نقابة الأطباء التي رفضت تحميل أطباء العراق وزر ما يعانيه القطاع الصحي في البلاد من اهتراء وتخلف.
رواد الشبكات الاجتماعية انقسموا ما بين مرحب بزيارة السوداني وما تبعها من قرارات عقابية في سبيل تحسين واقع الرعاية الصحية، وبين متحفظ يرى أن أزمة قطاع الصحة لا تحل بنقل بضعة أطباء من هذا المستشفى لذاك، وأن المطلوب إحداث تغيير شامل في بنية النظام الصحي العراقي المتهالك وطرائقه.
رأي نقابة الأطباء؟
يقول نقيب الأطباء العراقيين د جاسم العزاوي، في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية:
- الأزمة العاصفة بالقطاع الصحي العراقي هي نتاج تراكمات عشرات السنين، فالمستشفيات قديمة ولا تطوير لها وحتى المستشفيات الجديدة التي تم إنشاؤها لم يدخل إلا عدد قليل جدا منها إلى الخدمة.
- طبيعة النظام الصحي بالية والبنى التحتية له متهالكة.
- الكوادر الطبية شحيحة ولا تلبي المطلوب.
- الأدوية ومختلف المستلزمات الطبية قليلة ولا تكفي لسد حاجة المرضى.
وتابع قائلا: "لهذا فنحن بحاجة لتمويل كبير يتسق مع ضخامة ما يحتاجه القطاع الصحي العراقي من إصلاح وتطوير جذريين، تؤطره خطة علمية شاملة ومدروسة يضعها أهل الاختصاص والخبراء لتذليل التحديات التي تجابه قطاع الطبابة والصحة بالعراق، وبالتنسيق الكامل مع الجهات الحكومية والبرلمانية المعنية".
ويضيف نقيب الأطباء العراقيين: "تكمن المشكلة في مختلف مفاصل القطاع الصحي، من رعاية المرضى إلى توفير الغذاء والدواء لهم، وصولا إلى تهالك الأسرة والمعدات والأجهزة في المراكز الصحية، وهلم جرا".
ما المطلوب؟
وفقا للعزاوي:
- يجب زيادة الاهتمام بالجانب الوقائي وليس العلاجي فقط، من قبل وزارة الصحة العراقية.
- اعتماد نظام جديد لتقديم الخدمة العلاجية والرعاية الطبية للمواطنين.
- لا يتحقق هذا إلا عبر وضع موازنة خاصة جديدة، حيث أن الموازنة الحالية المحدودة لوزارة الصحة يخصص 75 % منها للنفقات التشغيلية، ويتبقى فقط 25 % منها لبقية المستلزمات الضرورية كالأدوية.
ماذا عن "تقصير" الأطباء؟
يجيب النقيب: "ما علاقة الطبيب بقلة النظافة مثلا في المؤسسات الصحية أو بسرير المريض المكسور أو بشح الدواء؟ فالخلل ليس فقط اداريا بل أبعد من ذلك، فهو خلل في النظام الصحي العراقي ككل، ذلك أن الادارة ليست مسؤولة بالدرجة الأولى عن التقصير في المرافق الخدمية الصحية، طالما ليس هناك تمويل كاف لشراء أغطية جديدة مثلا لأسرة المرضى وقس على ذلك، ومع ذلك هناك ولا شك تقصيرا إداريا أيضا وربما فسادا وهدرا في المؤسسات والمرافق الصحية، وهو ما يقتضي تعزيز الرقابة وتشديدها".
وثمن العزاوي مبادرات رئيس الوزراء وزياراته الميدانية للمستشفيات والمرافق الطبية، وإعطاء قطاع الصحة الأولوية ضمن برنامجه.
وتابع "لكن تحفظنا الوحيد كان حول العقوبات التي وجهت لعدد من الأطباء، وتحميلهم وزر المشكلات المتراكمة التي تعاني منها المستشفيات التي يعملون فيها".
مسؤولية جماعية
بالنسبة للعزاوي، فإن مسؤولية الترهل في قطاع الصحة تضامنية، مشيرا إلى أنه يجب ألا تقع فأس هذه المسؤولية على رؤوس الأطباء، "فمثلا المريض بحاجة لأدوية وهذه غير متوفرة كما يجب، وبالمحصلة يتم تحميل الطبيب وزر ذلك من قبل المريض وذويه، في حين أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق واضعي النظام الصحي والمسؤولين عنه".
رؤية جديدة
يعتقد العزاوي أنه ينبغي أن تكون هناك رؤية جديدة:
- نسعى بالتعاون مع رئيس الوزراء ووزير الصحة على الارتقاء بالواقع الصحي المتخلف للبلاد.
- تجاوز ما يعانيه الواقع الصحي من أزمات عبر بلورة رؤية عمل جديدة.
- تم تشكيل لجان في هذا الإطار بيننا وبين وزارتي الصحة والبيئة للعمل على بلورة تلك الرؤية وتطبيقها العملي، كي لا تبقى مجرد شعار.