أكد السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند في حوار خاص مع "سكاي نيوز عربية" أن الليبيين وحدهم من يقررون مستقبل بلادهم، مبينا أن انعدام الثقة بين الأطراف الليبية وبعض الأطراف الإقليمية يؤدي إلى تأجيج الصراع الليبي، داعيا إلى ضرورة تجاوز حالة انعدام الثقة، والمضي قدما نحو الانتخابات.
وأوضح نورلاند أنه في ليبيا "هناك مصالح أمنية واقتصادية على المحك، وبالتالي فإن حل مثل هذه المشكلات العميقة لن يكون سهلا".
وأضاف المسؤول الأميركي: "شهدنا هذا الأسبوع في نيويورك الكثير من الحراك الدبلوماسي الذي يعكس حقيقة أنه وبسبب العنف الذي اندلع مؤخرا في ليبيا، بات الجميع يتفهم أن بقاء الأمر على ما هو عليه لا يمكن أن يستمر، وبالتالي علينا أن نتجاوز حالة انعدام الثقة ونتحرك بأسرع ما يمكن باتجاه الانتخابات".
معضلة المليشيات
وعن دور الميليشيات السلبي في الأزمة الليبية، قال نورلاند: "تنامي دور الميليشيات لم يحدث بين ليلة وضحاها. علينا التمييز بين هذه الميليشيات المتعددة، فبعضها يمكن أن يكون جزءا من مكوّن عسكري ليبي جديد وموحد وبعضها يمثل عصابات إجرامية".
وشدد على أنه "من المهم عدم استبعاد فكرة فرض العقوبات على تلك الميليشيات عندما يستدعي الأمر. المجتمع الدولي بأسره يأخذ ذلك في الحسبان".
وتابع السفير الأميركي قائلا: "المليشيات مظهر لمشاكل ضمنية، وبالتالي في الوقت نفسه الذي نتحدث فيه عن أهمية عدم تحويل عوائد النفط للدفع للميليشيات، نحتاج للتركيز على المشاكل الضمنية السياسية للوصول إلى الانتخابات، حتى لا يكون لتلك الميليشيات الدور الذي لها اليوم".
وعن رأيه حول حلّ الأزمة في ليبيا، قال نورلاند: "أعتقد أن كلا رئيسي الوزراء في ليبيا، لا يستطيعان إدارة البلاد، وما نحتاجه الآن هو اتفاق عام على حكومة شرعية بشكل كامل تحظى بالقوة والثقة لإدارة شؤون كل الليبيين، وهذا سيحصل فقط عبر الانتخابات".
وشدد نورلاند على أن "المفوضية العليا للانتخابات تتمتع بالكفاءة، وتمكنت من توفير كل المتطلبات التقنية للمضي قدما نحو الانتخابات، كما أن هناك مليونان و800 ألف ناخب مسجلا متحمسين للإدلاء بأصواتهم، وقد شعروا بالخيبة لعدم استطاعتهم القيام بذلك. في النهاية ما أعاق الانتخابات السنة الماضية، هم المرشحون الجدليون، فالليبيون لم يتفقوا على من يجب أن يترشح، ومن لا يجب أن يفعل ذلك، بما يشمل مرشحْين شديديْ الجدل. أعتقد أن الليبيين عندما ينظرون لهذا الأمر مجددا، فإننا نسمع عن اتجاه متزايد يدعو إلى أن يقرر الناس من يجب أن يترشح، ومن سيفوز، دون محاولة حسم ذلك مسبقا".
تفاؤل يلوح في الأفق
ووصف نورلاند حال الليبيين بأنهم يشعرون بالإحباط، موضحا: "هناك حالة من عدم الاستقرار وازدياد للعنف بشكل دوري، وفوق ذلك انقطاعات في الكهرباء وزيادة في الأسعار، ومن حق الليبيين السؤال، لماذا لا يمكن لهم إجراء الانتخابات والتحرك نحو حكومة مستقرة. في ظل النقاش حول من يجب أن يقود البلاد، ومتى يمكن عقد الانتخابات، يجب ألا ننسى صوت الليبيين الذين يطالبون بأمر بسيط جدا وهو أن يدلوا بأصواتهم لانتخاب قادتهم".
وأعرب نورلاند عن أهمية تجنب تضخيم الدور الأميركي في الأزمة الليبية، مضيفا: "نريد أن نستخدم نفوذنا للمساعدة في حشد الدعم الدولي لهذه العملية الانتخابية، ومن أجل لعب الدور المسؤول الذي علينا أن نقوم به، خاصة أنه كان لنا دور ما منذ 10 سنوات في الاضطراب الذي أدى إلى ما نحن عليه اليوم في ليبيا، وأعتقد أنك ستسمع القادة الأميركيين يتحدثون عن إحساس بالمسؤولية في محاولة لمساعدة الليبيين على حل هذه المشكلة".
وعبّر نورلاند عن تفاؤله بالقول: "رأينا حوارا بين الفاعلين الدوليين والليبيين، وطرح بعض الأفكار الجديدة، وجاء تعيين مبعوث أممي خاص جديد إلى ليبيا هو عبد الله باتيلي، بخبرته السياسية وحمله صوت الاتحاد الإفريقي، الذي يعد لاعبا هاما في هذه المعادلة، عاملا إيجابيا. نعتقد أن اللحظة أصبحت جاهزة لمساندة باتيلي فيما يحاول عمله، لأنه مع كل هذه الأجزاء المتحركة، نحتاج إلى من ينظم الأمور، وأعتقد أن هذا هو الدور التقليدي للمبعوث الأممي الخاص. من المهم أن لدى باتيلي فرصة البناء على ما تم إنجازه، وليس عليه أن يبدأ من الصفر، فالأمور جاهزة للتقدم نحو خواتيمها، ونحن نعتقد أن لحظة السلام في ليبيا هي الآن".
وحول رؤيته للحل الأميركي، بيّن نورلاند أن "الولايات المتحدة تدفع بشدة نحو فكرة تدعى (مستفيد) وهي آلية لإدارة عوائد النفط بشكل يضمن المحاسبة والشفافية، والهدف هو جلب ممثلين من كل أنحاء ليبيا، ووكالات المحاسبة والبنوك، للتوافق معا على أولويات الإنفاق، حتى يتم التأكد بعدها من أن الأموال تذهب إلى تلك الأولويات".
واختتم نورلاند قائلا: "بكل تأكيد، وبدون أي شك، رأينا ثبات وقف إطلاق النار منذ شهر أكتوبر في عام 2020، وقد حصل في وقت لم يتوقعه أحد. نعتقد أنه هناك فرصة جديدة الآن للبناء على ذلك، وتحويله إلى تسوية سياسية دائمة، الشروط ناضجة ولا أحد يريد العودة إلى العنف الواسع النطاق".