قبل تنظيمها القمة العربية مطلع نوفمبر المقبل، تراهن الجزائر على تفعيل دور المجتمع المدني والنخب كمحرك أساسي لتوحيد العمل العربي على أصعدة متعددة وتعزيز العلاقات البينية العربية-العربية.
وفي هذا السياق، يلتئم بمدينة وهران غربي الجزائر، منتدى "تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك" من تنظيم المرصد الوطني للمجتمع المدني (هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية)، منذ الأحد وعلى مدار خمسة أيام، وبمشاركة حوالي 150 شخصا من مسؤولين سامين وناشطين من المجتمع المدني ومؤثرين وشخصيات أكاديمية رفيعة من 19 دولة عربية.
يبحث المشاركون سبل تعزيز العمل العربي المشترك على جميع الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية، خاصة وأن الجزائر مقبلة على تنظيم قمة عربية جامعة للشمل، في يوم يحمل دلالة تاريخية مهمة وهو 1 نوفمبر المصادف للذكرى الـ68 لاندلاع ثورتها التحريرية.
ووضع القائمون على المنتدى 5 جلسات للنقاش تخص مسيرة العمل العربي والتحديات والآفاق ودور المجتمع المدني في مواجهة التحديات، وإحياء الذاكرة لخدمة العمل العربي المشترك، وإصلاح العمل العربي المشترك وتفعيل المجتمع المدني لدعم التنمية المستدامة.
بلورة رؤية عربية
وأثنى مشاركون في هذا المنتدى الذي تتواصل جلساته على دور الجزائر في تنظيم هذا الموعد المهم الذي يسبق القمة العربية، إذ يعيد الكلمة للنخب العربية التي لديها إسهامات في بلورة تصور للنهوض بالعمل العربي المشترك وهذا من أجل إحياء التواصل بين الأجيال في العالم العربي.
وبحسب ما تم الكشف عنه فإن "إعلان وهران" سيتضمن جملة من الإقتراحات التي يتبناها المجتمع المدني المشارك، في حين ستتكفل الجزائر برفعها إلى القمة العربية المقبلة بصفتها رئيسة لها.
وبحسب منسق الجلسة الإفتتاحية لمنتدى "تواصل الأجيال"، مدير مركز الدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، حسني عبيدي، فإن الجزائر تتبنى "مقاربة جديدة للمجتمع المدني تؤكد على ضرورة إشراكه ومنحه مسؤوليات للتصدي للتحديات المختلفة أمام مجموع الدول العربية".
وأكد حسني عبيدي في حديث لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أن "منتدى وهران هو منبر لمختلف مكونات المجتمع المدني العربي لتقديم أفكارها وأرائها بخصوص تعزيز العمل العربي المشترك خاصة أن التوصيات سيتم رفعها على مستوى القادة خلال القمة العربية".
ويرى المتحدث ذاته أن "فلسفة الجزائر في المراهنة على إشراك المجتمع المدني هي للتأكيد عليه كشريك، علاوة على عدم تهميش المجتمعات العربية من أجل العمل معا مع الدول للتصدي للتحديات المقبلة".
وسبق أن أكد وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة أن هذا المنتدى الذي تحتضنه الجزائر يهدف أساسا إلى "توسيع مشاركة مكونات المجتمع المدني وتفعيل أدوارها في منظومة العمل العربي المشترك".
من جانبه، أفاد رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، عبد الرحمان حمزاوي أن منتدى وهران "فرصة لبلورة أفكار وتصورات وسانحة لرفع توصيات تؤسس لانطلاقة هامة في مسيرة تمكين فعاليات المجتمع المدني العربي للمساهمة في الشؤون العربية الهامة".
وسبق أن أعلن ممثل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، خميس البوزيدي، من وهران، أن الجزائر ترأس الفريق المعني بتطوير البعد الشعبي للجامعة العربية والذي يعتبر من أولوياتها لتطوير منظومة العمل العربي المشترك.
تجربة رائدة
أبدت الجزائر اهتماما متزايدا بالمجتمع المدني من جمعيات ونقابات كقوة اجتماعية تمثيلية لا غنى عنها، إذ تم إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني ودسترته ضمن دستور 2020، فيما تم رفع الإجراءات البيروقراطية في الحصول على اعتماد الجمعيات بهدف تشجيع العمل الجمعوي في البلاد.
ويرجع البروفسور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة، بوحنية قوي هذا الإهتمام الرسمي بالمجتمع المدني إلى "زخم النشاط الذي تعرفه الجمعيات في الجزائر، ما دفع إلى ضرورة تنظيم هذا السوق وتجميع جهوده عبر إنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني ودسترته كهيئة استشارية لدى رئاسة الجمهورية".
وأضاف بوحنية قوي في حديث لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أن "هذه الإجراءات الدستورية تأتي لتفعيل دور جمعيات المجتمع المدني وإظهارها كنوع من الدبلوماسية الشعبية". مبرزا أن "عدد الجمعيات في الجزائر كبير جدا بين بلدية ووطنية، وهذا الزخم في حاجة إلى ديناميكية للتأثير ومن هنا يأتي الإهتمام الرسمي بها".
ويرى مدير مركز الدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، حسني عبيدي أن تجربة الجزائر في التعامل مع المجتمع المدني "فريدة من نوعها"، خاصة أن هذا المجتمع المدني يضيف المتحدث "عادة ما يكون مستقلا عن الحكومات، وبالتالي فإنها تريد أن يكون حليفا للدول وليس مضادا لها بالنظر إلى جسامة التحديات".
وفي حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أكد حسني عبيدي أن "التجرية الجزائرية جديرة بالإهتمام عربيا، والمساهمة في تحويل العلاقة مع المجتمع المدني إلى تشارك وتعاون مستقبلا".