تحولت الطرق في بيروت كما في بقية مدن لبنان إلى حلبة سباق بين السيارات والدراجات النارية، التي يعتمد سائقوها أسلوب القيادة "الهجومي" للتسلل بسرعة بين المركبات وإنجاز المهمات الموكلة إليهم، وفي طليعتها خدمة توصيل الطلبات.
وتحدث هذه السباقات الخطيرة في ظل غياب الرادع الأمني والتنظيمي، الذي يجبر سائقي الدراجات النارية على احترام قانون السير، ويفرض العقوبات على المخالفين.
وفي ظل الارتفاع المستمر لأسعار الوقود والحديث عن شراء البنزين بالدولار بدلا من الليرة، غزت خلال السنوات الماضية مجموعات كبيرة من للدراجات النارية طرق لبنان، وباتت تشكل حوالي 40 بالمئة من سوق مبيعات وسائل النقل، ويرجح الخبراء أن تتخطى هذه النسبة 50 بالمئة مع بداية عام 2023 وفق مصادر في نقابات السيارات والمركبات.
وتتسبب هذه الفوضى المنتشرة منذ مطلع عام 2020، بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية، في وقوع العديد من جرائم السرقة والسطو وحوادث السير، وبارتفاع في عدد الوفيات يوميا على الطرق، خاصة السريعة منها.
بالعين يمكن رصد مخالفات بالجملة لمعظم سائقي الدراجات النارية، منها عدم ارتداء الخوذة، والسير عكس الاتجاه، والاستعراض البهلواني، وصدم أبواب السيارات، وعدم حيازة الأوراق الثبوتية، وتجاوز الإشارات الضوئية، وعدم التوقف عند التقاطعات، والرعونة في القيادة.
فوضى عارمة
ووصف مؤسس جمعية "إليازا" التي تعنى بالسياسة المرورية المحامي زياد عقل، ما يجري على طرقات لبنان، بـ"الفوضى الموصوفة والمبالغة بمخالفات قانون السير".
وقال عقل لموقع "سكاي نيوز عربية": "لكن ما نشهده لا ينطبق فقط على الدراجات النارية، إنما كذلك على السيارات والمركبات الكبيرة والحافلات".
وكاد الشاب "نبيل" المنطلق بدراجته النارية، بعد توقف قسري عند أحد التقاطعات في بيروت أجبرته عليه سيارة توقفت فجأة أمامه، أن يصطدم بها أو بعابر للطريق عند حيز المشاة.
وقال لموقع "سكاي نيوز عربية" بعد هذا الموقف: " في النهاية لا أخاف من الموت الذي سيأتي إليّ على عجلتين".
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "أوقفت استخدام سيارتي لعدم استطاعتي تأمين ثمن الوقود الباهظ، واعتمدت الدراجة النارية للتنقل".
وعن عدم استخدامه خوذة الرأس أثناء قيادته للدراجة النارية يقول: "الله يحميني وليست الخوذة".
وتوضح المهندسة رنا التي تعرضت لحادث سير بسبب دراجة نارية: "تحولت هذه الوسيلة إلى لعبة خطرة، تعرضت لحادث أفقدني الوعي لمدة 6 أشهر ولا زلت أعاني".
توقعات بالأسوأ
ويقول مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية الخبير المروري كامل إبراهيم، إن فوضى الدراجات النارية في لبنان تعود إلى وقت طويل قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، ويقول: "استفحل الأمر في السنتين الماضيتين".
ويوضح إبراهيم لموقع "سكاي نيوز عربية": "علينا معرفة المشكلة قبل وضع خطط العلاج، وعدم معرفتنا للمشكلة الأساسية في انتشار فوضى الدراجات يعود لغياب بالتحقيقات العلمية المناسبة من أجل معرفة العوامل المسببة للحوادث والوفيات، وهذه تختلف عن السابقة".
ويضيف الخبير المروري: "بناء على مؤشرات الأداء ومن خلال تحليل البيانات توضع الخطط والاستراتيجيات، تأسيسا لسياسة مرورية حقيقية، إنما من المؤسف أن ذلك لن يحدث في لبنان على الإطلاق".
وتوقع إبراهيم "الذهاب نحو الأسوأ في ارتفاع مسببات حوادث السير، لا سيما حوادث الدراجات النارية"، لافتا إلى عدم وجود إحصاء رقمي في البلاد يفيد في هذا الموضوع.
ويرى أن "الأمور متجهة نحو الأسوأ نتيجة الاستخفاف وعدم إدارة الملف على مستوى الإدارات الرسمية والوزارات"، مشددا على ضرورة "إيجاد استراتيجية وطنية والتزام كل إدارة رسمية بالقيام بواجباتها، فلبنان بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد".
في سياق آخر اعتبر مصدر مطلع في السلامة المرورية في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "زيادة عدد الدراجات النارية أمر طبيعي، وهي حل للمشكلة الاقتصادية التي تعم البلاد، شرط أن تكون منظمة".
ودعا إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية سريعة من قبل السلطات الإدارية والأمنية، واستحداث خطوط خاصة للدراجات النارية.
وقال المصدر: "من الطبيعي أن تزيد المخالفات نتيجة التفلت من مراقبة رجل الأمن، وكأن هناك تساهلا إداريا وأمنيا في السماح باقتناء الدراجات النارية بهذا اليسر، ربما لامتصاص نقمة المجتمع مع الارتفاع الهائل في أسعار الوقود التي زادت أكثر من 20 ضعفا"، لافتا إلى أن "نسبة حوادث الدراجات النارية مرتفعة بالمقارنة مع حوادث الآليات الأخرى، وتشكل نحو ثلث الحوادث المسجلة على الطرق".