"نحتاج إليه بقوة" بتلك المقولة بدأت برلين في تقديم بدائل لتفادي الشتاء القارس نتيجة انقطاع الغاز الروسي عن "القارة العجوز"، حيث دعا المستشار الألماني، أولاف شولتس، إلى إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز بين البرتغال وأوروبا الوسطى يمر عبر فرنسا.
وقال شولتس خلال مؤتمر صحافي في برلين إنه أبدى اهتمامًا كبيرا بخط الأنابيب الذي "تفتقر إليه القارة اليوم بشكل كبير"، موضحًا أن خط الأنابيب كان ينبغي تأسيسه بين البرتغال وإسبانيا مرورا بفرنسا إلى أوروبا الوسطى.
ولكن خبراء ومحللين أكدوا أن المشروع الذي تحدث عنه شولتس، قد أُطلق عام 2013 لإنشاء خط أنابيب غاز معروف باسم "ميد كات" بين كاتالونيا، بشمال شرق إسبانيا، وجنوب شرق فرنسا، وقد تم التخلي عنه في 2019 لعدم وجود اتفاق على تمويله، فماذا حدث؟
دعوة المستشار الألماني لإنشاء خط غاز جديد أو أحياء مشروع قديم لم يقدم لها أي تفاصيل خلال حديثه، ولكن إسبانيا قد أحيت دعوات لبناء خط أنابيب غاز "ميد كات"، على خلفية العملية الروسية في أوكرانيا.
في السياق، يقول آصف ملحم، مدير مركز "جي سي إم" للدراسات ومقره موسكو، إن أوروبا تبحث يوميًا كيفية تعويض تقص الغاز الروسي قبل الشتاء، وكان أخرها مخطط خط الأنابيب "ميدي-كاتالونيا" المعروف باسم (ميد كات).
ويُضيف الخبير الاقتصادي آصف ملحم، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، قبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أن إسبانيا والبرتغال لا تستوردان الغاز الروسي نهائياً، فشبكة الغاز في شبه الجزيرة الإيبيرية معزولة تماماً عن شبكة الغاز الأوروبية؛ من هنا تبرز أهمية هذا المشروع بالنسبة لدول وسط أوروبا فقط.
وبشأن تفاصيل أكثر عن تحركات أوروبا لإحياء أي مشاريع غاز قديمة، تابع آصف ملحم، قائلًا: "في الواقع ترتبط فرنسا مع إسبانيا بخطي غاز في منطقتي لارو وبيرياتو الفرنسيتين، إلا أن إستطاعة هذين الخطين معاً لا تتجاوز 7 مليار متر مكعب في السنة، وهذا لا يكفي لسد احتياجات الدول الأوروبية من الغاز.
وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز نقلاً عن السيدة تيريزا ريبيرا، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون التغير المناخي في إسبانيا، فإن عملية إعادة تأهيل الخط MidCat لا تستغرق أكثر من 9 أشهر.
هل يسد هذا المشروع احتياجات أوروبا؟
في تلك الجزئية، يقول ملحم إنه يجري الحديث هنا عن الخط الممتد من قرية أوستالريتش الواقعة شمال شرق برشلونة إلى قرية برابيرا الفرنسية، وفق التقديرات المختلفة يصل طول هذا الخط إلى حوالي 190 كيلومتراً؛ وبالتالي وهو عملية ربط جزء من شبكة الغاز الإسبانية إلى باقي أجزاء أوروبا.
وأكد آصف ملحم، إن الجواب بوضوح هو "لا"، فمجموع ما تستهلكه إسبانيا والبرتغال سنوياً يصل إلى حوالي 40 مليار متر مكعب، في حين أن ألمانيا لوحدها تستهلك أكثر من 85 مليار متر مكعب سنوياً.
تؤمن الجزائر حوالي 50% من احتياجات إسبانيا والبرتغال من الغاز، الذي تصدره عن طريق شبكة أنابيب عبر البحر المتوسط، كما أن الجزائر تصدر الغاز إليهما بشكله المسال، أما الكمية الباقية من الغاز فتحصل أسبانيا والبرتغال عليها من مصادر أخرى مختلفة وخاصة الغاز المسال.
في تلك الزاوية يقول الأكاديمي الروسي في السياسة الدولية ديميتري فيكتوروفيتش، أن أوروبا تحاول في الوقت الراهن الاستفادة من أقرب النقاط إليها للحصول على الغاز كبديل للغاز الروسي، وبالنظر إلى الخريطة نجد أن تلك لنقاط تتركز في الشرق الأوسط وبالأخص الجزائر.
وأوضح ديميتري فيكتوروفيتش، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الجزائر تنتج حوالي 90 مليار متر مكعب سنوياً، 62% منها يتم تصديره إلى أوروبا (إيطاليا، إسبانيا، البرتغال) عبر شبكة الأنابيب، والباقي 38% بشكله المسال، ومن تلك الأرقام نلاحظ أن إنتاج الجزائر كله لا يشكل سوى حوالي 55% من كمية الغاز الروسي المصدرة إلى أوروبا، لذلك يبدو أن إمكانية تعويض الغاز الروسي عبر زيادة إنتاج الغاز الجزائري غير واقعية في المدى القريب والمتوسط، بغض النظر عن إمكانية ربط شبكة الأنابيب الإيبيرية بباقي أجزاء القارة الأوروبية.
وفيما يخص خط "ميد كات"، أشار الأكاديمي الروسي في السياسة الدولية، إلى أن نقاط وصول خطوط الغاز الجزائري إلى إسبانيا بعيدة جداً عن نقطة انطلاق الخط MidCat وعن الحدود الفرنسية، المسافة تقريباً 900-1000 كيلومتراً، لذلك فإن مد أنابيب جديدة على طول هذه المسافة يحتاج الكثير من الوقت، ليس 9 أشهر فقط بل سنوات، على عكس ما تروج له أوروبا، فذلك الخط يحل جزء من المسألة لا أكثر، ولن تستطيع القارة العجوز الإستغناء عن الغاز الروسي في المدى القريب والمتوسط.