يجري النائب العراقي محمد شياع السوداني، نظرا في خياراته، بشأن مهمة رئاسة حكومة العراق، مرشحَاً عن قوى "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران، وسط أجواء سياسية غائمة، مع ارتفاع منسوب التناحر، بين الفرقاء، مما يجعله أمام مهمة تاريخية، أخرى، تتمثل بانسحابه من سباق رئاسة الحكومة.
وبعد انسحاب زعيم التيار الصدري، من مشاورات تشكيل الحكومة، وعدم قدرته على تشكيل "حكومة أغلبية وطنية" بمساعدة حلفائه في الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف السيادة السني، بزعامة خميس الخنجر، ثمة من نصح قوى "الإطار التنسيقي" بضرورة التنسيق مع الصدر، بشأن مرشحهم لرئاسة الحكومة، وعدم المضي دون رضاه، لكن تلك القوى، كانت تراهن، على أن ترشيح السوداني، كفيل بإنهاء الخصومة، أو تجميدها على أقل تقدير، باعتباره، شخصية مقبولة.
ورغم الإشارات المبدئية التي أصدرها الصدر، بأنه سيلجأ إلى الشارع، لقطع الطريق أمام قوى "الإطار التنسيقي"، وتحركاتهم، حول تشكيل الحكومة المقبلة، إلا أن تلك القوى كانت تندفع سريعاً، نحو خطتها، دون الالتفات إلى دعوات الصدريين، وهتافات المحتجين في الشوراع، وصولاً إلى ترشيحها السوداني، والذي رأت فيه طعماً سيبتلعه الصدر، ويوافق عليه، أو يمنحه الفرصة على الأقل.
لكن الصدر رفع سريعاً سقف تحركاته، وأوعز إلى أنصاره، باقتحام المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، وسط العاصمة بغداد، ودخول مبنى البرلمان، رفضاً لترشيح السوداني، كما وعد بتحرك مماثل في حال المضي بهذا المسار.
صراع معقد
هنا، وجد السوداني، نفسه في "براثن" صراع، ليس له فيه ناقة ولا جمل، فأنصار الصدر، يقولون إن الاعتراض ليس على شخص السوداني، وإنما على آلية اختياره، والطريقة التي تمت فيها، لكن العراقيين يعرفون أن الصدر، يريد بذلك قطع الطريق على المالكي، في تعزيز نفوذه داخل الدولة، بداعي أن السوداني، قيادي سابق في حزب الدعوة، ومحسوب على فريقه.
نحدر محمد شياع السوداني من محافظة ميسان الجنوبية، وهو بذلك أول مرشح رسمي لرئاسة الحكومة من خارج محافظات الوسط، كما أنه لا ينتمي إلى أجواء القوى والشخصيات المعارضة لنظام صدام حسين في الخارج، وهو أيضًا لا يحمل جنسية أجنبية.
ولد محمد شياع السوداني في العاصمة العراقية بغداد عام 1970، وفي عام 1980 أعدم نظام صدام حسين والده وخمسة من أفراد عائلته، بينما كان طفلاً بعمر العاشرة، لانتمائهم إلى حزب "الدعوة الإسلامية" المحظور في حينها، وحصل السوداني على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية من جامعة بغداد، وشهادة الماجستير في إدارة المشروعات، وعين في عام 1997 في مديرية زراعة ميسان.
وبعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، عُين السوداني منسقاً بين الهيئة المشرفة على إدارة محافظة ميسان وسلطة الائتلاف المؤقتة، وفي 2004 تقلد منصب قائم مقام مدينة العمارة مركز محافظة ميسان وأكبر مدنها.
وانتُخب بعدها السوداني عضواً في مجلس محافظة ميسان كمرشح عن قائمة حزب الدعوة في عام 2005، وتقلد في الفترة بين عامي 2009 و2010 منصب محافظ ميسان، فيما عين عقب ذلك في عدة مناصب مثل وزير حقوق الإنسان، ثم وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي، في الفترة بين عامي 2014 و2017، وفي عام 2016، تولى منصب وزير الصناعة، وشغل لفترة منصب وزير التجارة بالوكالة.
شخصية صامتة
يعد السوداني، من قيادات "الخط الثاني"، في القوى الشيعية، وهو يفضل التزام الصمت كثيراً، خاصة في المسائل الكبيرة، أو الجدلية، كما أن تعليقاته عموماً تمثل منزلة بين منزلتين، ضمن براغماتية اتبعها منذ سنوات، تنبه لها الشارع العراقي، وتساءل عنها، فيما فسّرها بعضهم، بأن السوداني، ظل لحزب الدعوة، حتى بعد انسحابه منه عام 2019، عندما بدأت بورصة الترشيحات لخلف عبد المهدي الذي استقال تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية.
وقد تنطبق شخصية السوداني "الملتزمة بتراتبية قياداته" أيضًا، مع توجه عبّرت عنه شخصيات داخل الإطار التنسيقي للمرحلة المقبلة، ينص على تشكيل ما يشبه "مجلس حكم" يضم قيادات أحزاب الإطار، ويكون الحاكم الفعلي وراسم السياسات، بينما يتولى رئيس الوزراء الذي يرشحه الإطار تنفيذ ما يُطلب منه، ويلتزم بعدم الخروج عن الطاعة.
ومنذ توليه منصب وزير الصناعة، عام 2016، ضمن حكومة حيدر العبادي، لمع اسم السوداني، كما ارتبط اسمه بتنشيط الصناعة الوطنية، وساعدة في ذلك، سجل يوصف بالخالي من الفساد، وأصبح عقب ذلك يُتداول بشكل ملحوظ، ضمن الترشيحات لرئاسة الوزراء، خاصة وأن العراق شهد خلال السنوات الخمس الماضية، تغير نحو ثلاث حكومات، بما يعنيه ذلك من تداول عدة أسماء في كل مرة، لرئاسة الحكومة.
وبعد اقتحام أنصار الصدر للبرلمان، تزايدت الضغوط على السوداني، للانسحاب من هذا الترشح، وإفساح المجال أمام شخصية أقرى، قد تكون مقبولة بالنسبة للصدريين، وتساهم في تعزيز الاستقرار السياسي، لكن السوداني، ما زال مصراً على ترشحه، كما أن قوى "الإطار التنسيقي" مصرةٌ هي الأخرى، على ذلك، تحاشيا لإبداء الانكسار أمام الصدر، لكنها قد تكون مجبورة في المرحلة المقبلة، على استبدال السوداني، أو الطلب منه الانسحاب، لحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
وكانت قوى "الإطار التنسيقي" تتحدث قبل أيام عن طرح اسم المالكي، لرئاسة الحكومة، لكن التسريبات التي فجّرها الصحافي العراقي المقيم في الولايات المتحدة، علي فاضل، وما تضمنته من اتهامات موجهة على لسان المالكي، إلى خصومه، كانت كفيلة بإبعاده عن ترؤس الحكومة المقبلة، ليبدأ نقاش داخلي، تمخض أخيراً بدعم من فصيل عصائب أهل الحق، عن ترشيح السوداني.
وكشفت التصريحات التي أدلى بها قائد مليشيات العصائب قيس الخزعلي، عن الحكومة، وبرنامجها المقبل، وآلية اختيار الوزراء، عن دور كبير، لهذه الحركة، داخل قوى "الإطار التنسيقي"، وهو ما صعد المخاوف لدى الصدر من تحكم تلك الأطراف بالسوداني، والتأثير على قراراته، فيما قال بعضهم، إن السوداني بالفعل مرشح حركة العصائب.