شهدت تونس منذ 25 يوليو من عام 2021 محطات سياسية عديدة مثيرة للجدل بدأها الرئيس قيس سعيد بتفعيل الفصل 80 من دستور 2014 وإقالة حكومة الإخوان و تجميد برلمانهم ثم حله وتعيين حكومة جديدة و المضي لإدارة شؤون تونس عبر المراسيم الرئاسية قبل أن يعلن في ديسمبر الماضي عن خارطته السياسية لإصلاح الوضع في البلاد.
وبدأت الإجراءات مع موعد 25 يوليو 2022 بتنظيم الاستفتاء على الدستور الجديد في انتظار إعداد قانون انتخابي ينظم عمل الأحزاب و المنظمات و شروط تمويلها على أن تنتهي المرحلة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في تاريخ 17 ديسمبر 2022.
وفي أولى المحطات السياسية لبرنامج قيس سعيد مر دستور تونس الجديد ليكون لبنة قانونية أساسية وضعها الرئيس ليركز مسار 25 يوليو في انتظار القانون الانتخابي الجديد الذي سيصل بالبلاد إلى موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل بشروط جديدة تتعلق بتمويل الأحزاب وتنظمها.
ويتوقع مراقبون أن يثير القانون الانتخابي المنتظر نفس الجدل الذي أثاره مشروع الدستور كما ينبه الخبراء إلى أن الإصلاحات القانونية التي يمضي فيها سعيد يجب أن تكون مرفوقة بإصلاحات اقتصادية و اجتماعية تجنب تونس مخلفات ما يعرف بالعشرية السوداء وما ساد فيها من فساد سياسي و أزمات اجتماعية و اقتصادية.
وقال الناشط السياسي علي الفالحي إن تونس دخلت بعد اعتماد الدستور مرحلة سياسية جديدة و سيتم بناء قانون انتخابي جديد يقطع مع القوانين السابقة التي كانت من أسباب أزمة الحكم بما خلقته من "ترحال حزبي "و "تشكيل للكتل البرلمانية وفق مصالح معينة و دفعات مالية معينة فوق الطاولة و تحت الطاولة "و " تحديد لمصير الحكومات السابقة على ضوء التشكلات الجديدة للنواب ".
وأوضح الفالحي في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن القانون الانتخابي المنتظر يجب أن يقطع مع "المنظومة القديمة البائسة و يؤسس لاستقرار سياسي جديد دون صراعات بين رئاسة الجمهورية و البرلمان و الحكومة لتكون هناك سلطة موحدة في تناغم".
ونوه الناشط السياسي إلى أن المهمة القادمة في تونس ستكون صعبة حيث أن" البناء وسط مناخ سياسي متعفن واحتراب وصراع متواصل يتطلب الكثير الحكمة وعلى رئيس الجمهورية التحلي بخطاب هادئ ".
وأضاف الفالحي: "يجب أن يترافق المسار السياسي بمعالجة اجتماعية لمشاكل فئات الشعب التي قادت الحملة الانتخابية و أغلبهم من العاطلين عن العمل وأصحاب الشهادات العليا الذين ينتظرون بفارغ الصبر استحقاقات اجتماعية واقتصادية تحتاجها البلاد وتنهي أزمات الإنتاج الزراعي وإشكاليات نظافة البيئة وصعوبات قطاع التربية وتواتر الاحتجاجات الاجتماعية ".
ومن جهته، دعا القيادي في حزب البعث صهيب المزريقي إلى أن تتسم المحطات السياسية القادمة من الجانب القانوني بمحاسبات فعلية "لكل من سولت له نفسه التعدي على الشعب و ثرواته و مقدراته و سيادته و الزج بتونس في محاور خارجية دمرت الثورة و الشباب وكان نتاجها أكثر من 6000 إرهابي و مليون منقطع عن الدراسة في عشر سنوات".
وقال المزريقي في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية" إن تواجد أكثر من 250 حزب و 20 ألف جمعية في البلاد يتطلب مراجعة قانون الأحزاب والجمعيات قبل المرور للانتخابات التشريعية و ذلك من ناحية المترشحين ومراجعة السجل المدني لهم و مراجعة تمويلات الأحزاب و الجمعيات سواء كان تمويلا داخليا أو خارجيا.
هذا واعتبر أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أن "أول مرسوم سيقع اعتماده بعد الدستور سيتعلق بقانون الانتخابات و يتجه نحو تكريس طريقة جديدة وهي نظام الاقتراع على الأفراد بدورتين بعد أن أقرته نتائج الاستشارة الإلكترونية التي اعتمدها الرئيس، كما أن سعيد من أشد المنادين بنظام الاقتراع على الأفراد منذ عام 2011".
وأضاف الزكراوي أن القانون الانتخابي يجب أن يكون جاهزا خلال شهر أغسطس القادم و أن ينشر في الرائد الرسمي لإتاحة الفرصة للأحزاب للقيام بحملاتها الانتخابية و التعامل مع مسألة التمويل قبل موعد الانتخابات التشريعية في ديسمبر.
ونوه أستاذ القانون الدستوري إلى أن الأهم من المواعيد السياسية هو الاهتمام بالاقتصاد للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة بعيدا عن التركيز الكلي على المسائل الدستورية لأن كل البناء يمكن أن ينهار دون معالجة المسائل الاقتصادية وفق تعبيره.
وعلق المحلل السياسي محمد بوعود بأن المرحلة المقبلة اتضحت منذ خطاب الرئيس أمام أنصاره بعد يوم الاستفتاء، فمشروع القانون الانتخابي هو ما سيرسمه سعيد خلال الأسابيع القادمة مع مواصلته العمل بالمراسيم حتى يصل بالبلاد إلى محطة هامة هي الانتخابات التشريعية و ما ستفرزه من مجلس نيابي و غرفة ثانية تسمى مجلس الجهات و الأقاليم وفق الدستور الجديد و كلها سلط وظيفية مهمتها وضع التشريعات بينما تكون السلطة الحقيقية بيد رئيس الدولة.
وتوقع بوعود في حديثه للموقع أن تكون المجالس النيابية القادمة دون أغلبية حزبية للأحزاب التي حكمت في الفترات السابقة من تاريخ البلاد و أن تفتك الأغلبية داخلها الأحزاب الفتية والرابطات الشبابية الموالية لرئيس الدولة.