يتواصل السجال في تونس بشأن مشروع الدستور الجديد، مع اقتراب موعد الخامس و العشرين من يوليو، حيث سيذهب التونسيون إلى صناديق الاقتراع كي يصوتوا لصالح اعتماد الدستور الجديد الذي اقترحه الرئيس قيس سعيد أو ضده.
و قبل أسبوعين من موعد الاقتراع، تشهد الساحة السياسية والحقوقية جدلا محتدا بشأن مضامين الدستور الذي يعتبره الكثيرون فرصة للقطع مع سنوات حكم الإخوان وتحييد الدولة عن كل التجاذبات الحزبية، فيما يبدي عدد من النشطاء والمنظمات الحقوقية مخاوف من تضييق محتمل على الحريات الفردية تسمح بها فصول الدستور الجديد.
ويشير المشروع المطروح للاستفتاء جدلا حول علاقة الدولة بالدين، بينما ينص أحد فصوله على تفرد الدولة بتطبيق مقاصد الإسلام في ظل نظام ديمقراطي.
مدنية الدولة
وعلقت نحو 30 منظمة وجمعية في بيان مشترك، بأن "مشروع الدستور ارتد إلى نفي الطابع المدني للدولة، وإلى إلغاء الاستناد إلى منظومة حقوق الإنسان كمرجعية تأسيسية" كما ينص عليه دستور 2014.
وشدد البيان على أن المشروع يوكل للدولة أدوارا دينية ليست مطلوبة من دولة مدنية.
وقال رئيس المرصد الوطني لمدنية الدولة منير الشرفي في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية "إن الدستور المقترح فيه تنكر غير مبرر لمدنية الدولة بعد أن كان منصوصا عليها بفضل نضالات التقدميين ورغم محاولات حركة النهضة فرض الشريعة كمصدر أساسي للقوانين في وقت سابق".
ووصف الأمر بالتراجع في الحقوق و الحريات وهو ما يشكل هدية للإسلام السياسي في تونس، وفق تعبيره.
وفي نفس السياق، أوضحت أستاذة القانون الدستوري منى كريم أن غياب التنصيص على "دولة مدنية" في الدستور كضامنة لمبدأ المساواة بين الجميع يمنح للقاضي مجالا لتأويل النصوص القانونية، وقد يسمح بوضع قوانين المجتمع على أساس ديني.
ضربة للإخوان
ومن جهة، أخرى قلل الناشط الحقوقي والمحامي، أحمد بن حمدان، من حجم هذه المخاوف، مشيرا إلى أن الدستور الجديد يعبر عن "مسار كامل انطلق يوم ثار التونسيون في الـ25 من يوليو الماضي ضد الإخوان وما كرسوه من توزيع للسلط كانت الغاية منه تفكيك الدولة و مؤسساتها حتى يكون راشد الغنوشي هو الحاكم وقد كان يدير شؤون الحكم و يعين الحكومات و ينسج التكتلات البرلمانية من مقر حزب حركة النهضة".
وأكد بن حمدان في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الدستور الجديد يعبر عن إرادة شعبية للقطع مع تجربة حكم الإسلام السياسي طيلة عشر سنوات في البلاد و يحافظ على مدنية الدولة من خلال إقراره لتساوي المواطنين في الحقوق و الواجبات و تجريم التمييز بينهم
أما تولي الدولة لتدبر مقاصد الإسلام فهو سحب للبساط من تحت أقدام الإخوان و إقصاء لأي دور محتمل للإسلاميين في تأويل النص الديني و المتاجرة بالدين.
وأضاف المحامي أن" الإخوان وحلفاءهم يهاجمون دستور قيس سعيد لأنهم يرفضون النظام الرئاسي في كل تجارب حكمهم عبر العالم باعتبار فلسفة حكمهم تتناقض مع السلطة المركزية و مشروع الدولة القوية".
وبدوره قال الناشط السياسي، زكي الرحموني، أن الحديث عن تفرد الدولة بمقاصد الإسلام داخل الدستور من شأنه أن يغلق الباب أمام المتاجرين بالدين و مؤسسي المدارس القرانية و الأحزاب ذات الخلفية الدينية.
مظاهر المدنية
ويرى الحقوقي فتحي الجموسي أن "مدنية الدولة لا تحددها الدساتير بل الثقافة والوعي الشعبي وأيضا السياسة التي ينتهجها الحاكم الذي يتحكم في الخطاب الديني بالمساجد وفي برامج التعليم والإعلام والثقافة، والتي من خلالها يؤثر في الوعي والفكر الشعبي بالتفتح أو بالتزمت والانغلاق".
من جانبه، اعتبر رئيس حملة الاستفتاء في محافظة المنستير و الناشط في المجتمع المدني، علي الفالحي، في تصريحات للموقع أن "معركة إرساء الدستور الجديد ليست معركة قيس سعيد كما يريدها البعض، بل هي معركة شعب الهامش، الذي عاش ويلات القهر بكل تجلياته الثقافية والسياسية والاقتصادية، في السنوات الماضية.
وأكد الفالحي أن "مسار 25 يوليو رغم ما شابه من تعثرات على جميع المستويات، و من سوء خيارات، يعمل على التصحيح بمنطق البناء المشترك لا بمنطق القطيعية العمياء، وبمنطق المشاركة الفاعلة لا بمنطق الاستكانة والخنوع و هو في جوهره مسار متصاعد ضد مجاميع سياسية خطفت الدولة في العشرية الأخيرة وحولتها الى مجرد غنيمة ومجرد رقعة جغرافية لبسط نفوذها".
وصباح الثلاثاء، قال قيس سعيد في بيان نشرته الرئاسة التونسية إن "الدستور الجديد يعبر عن روح الثورة ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات".