يستقبل المغرب خلال الأيام القليلة المقبلة الوفود العسكرية الدولية التي ستشارك في مناورات "الأسد الإفريقي 2022" في نسخته الثامنة عشرة، المقرر إجراؤها بين 20 يونيو والأول من يوليو، بتنظيم مشترك بين المغرب والولايات المتحدة.
ومن المقرر أن تشهد هذه النسخة، وفقا لمصادر إعلام مغربية، مشاركة 13 دولة، فبالإضافة إلى المغرب والولايات المتحدة، ستشارك كل من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وهولندا وإسبانيا والبرازيل وتونس والسنغال وتشاد وغانا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). كما تنضم حوالي 28 دولة بصفة مراقب عسكري من حوالي 30 دولة من إفريقيا والعالم.
وتشمل المناورات التي تعتبر أكبر تدريب للقيادة الأميركية في إفريقيا، للمرة الثانية على التوالي، منطقة المحبس في المناطق الجنوبية المغربية بالإضافة إلى القنيطرة وأغادير وطانطان وتارودانت.
وتندرج أنشطة مختلفة في هذه المناورات التي انطلقت منذ العام 2007، وتشمل تدريبات على عمليات مكافحة الجماعات الإرهابية، والتمرينات البرية والجوية والبحرية، وإزالة التلوث (النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيميائي).
كما تسعى هذه النسخة إلى تطوير قابلية التشغيل البيني التقني والإجرائي بين القوات المسلحة الملكية وقوات الدول المشاركة والتدريب على تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في إطار متعدد الجنسيات.
ونقلا عن بيان صحفي صادر عن الجيش الأميركي، نُشر يوم الجمعة 12 نوفمبر 2021 على موقعه على الإنترنت، قال الرائد جيمس غوليلمي، مسؤول المنطقة الخارجية في SETAF-AF ": "سيكون الأسد الإفريقي 2022 أفضل وأكبر من العام الماضي، وسيكون أفضل تمرين حتى الآن".
تقليد وتكريس لمغربية الصحراء
ويعتبر الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، محمد شقير، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هذه المناورات التي تنظم بشكل سنوي منذ أكثر من عقد من الزمن، أصبحت حدثا تقليديا واعتياديا ينظم كل سنة في المغرب، نظرا للوضع الجيوستراتيجي للمملكة، ولتبنيه لمكافحة الإرهاب كاستراتيجية أساسية".
ويضيف، "ومع ضم منطقة المحبس التي تشمل جزءا من أقاليم صحراوية مسترجعة إلى المناورات العسكرية للمرة الثانية على التوالي، يتكرس الاعتراف الدولي، بما فيه الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء".
سياق دولي وإقليمي صعب
وتأتي مناورات هذه السنة في سياق دولي صعب أظهر انقساما دوليا حادا في المواقف حول الحرب الأوكرانية الروسية وسياقا إفريقيا مختلفا.
وهذا ما يؤكده الخبير العسكري والمحلل السياسي الفرنسي، إيمانويل ديبوي، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا:"إن التوقيت الذي ستنظم فيه هذه المناورات يعرف ازدواجية في المواقف وتوترا يظهر بين الشركاء المشاركين في تدريب "الأسد الإفريقي"، لأنه ليس لديهم نفس المواقف الدبلوماسية فيما يخص مساندة أو عدم مساندة، انتقاد أو عدم انتقاد أو اختيار انتقاد ملثم لأطراف الحرب الأوكرانية الروسية".
من جانبه، يرى محمد شقير أنه من بين مظاهر تأثير الحرب الأوكرانية الروسية على هذه المناورات التي تنظم تحت إشراف القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم)، "إعلان تجريب بعض التكنولوجيات العسكرية الجديدة، والتأكيد على أهمية التنسيق بين الوحدات العسكرية المختلفة سواء البرية أو الجوية أو البحرية منها. بدليل التدريبات التي ستتم في مدينة القنيطرة الواقعة على السواحل الأطلسية المغربية".
تقارب عسكري عميق
ويعتبر الخبير العسكري الفرنسي أنه أمام كل هذه التوترات، "يجري في المقابل تقارب عسكري بين واشنطن والرباط، تعزز باتفاق عسكري يمتد من 2020 إلى 2030. وُقّع بين الطرفين في شهر أكتوبر 2020 ويشكل خارطة طريق في مجال التعاون الدفاعي والعسكري".
وأكد أن أحد الجوانب الخاصة لهذه الخارطة "يتجسد في أهمية تمرين الأسد الإفريقي واعتراف الولايات المتحدة بأن المغرب محاور موثوق به فيما يخص ملف محاربة الإرهاب أحد الرهانات الأساسية للمناورات التي تهدف أساسا إلى التحقق من صحة العمليات العسكرية وتجريب فعاليتها على مستوى تدريب الجيوش. وهي جزء من بنية اجتماع التحالف الدولي ضد "داعش" الذي عقد لأول مرة في القارة الإفريقية، في مدينة مراكش بقيادة مشتركة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية. حيث تسعى الرباط إلى تركيز الاهتمام الدولي على مواجهة خطر إعادة تموضع التنظيم وانتقاله إلى القارة السمراء".
أما محمد شقير فيوضح أن هذه المناورات ستزيد من خبرة الجيش المغربي وسيستفيد أكثر من التجربة الأميركية الرائدة في هذا المجال بالإضافة إلى أنها ستسمح له بتجريب أسلحة استوردها من عدة موردين وشركاء أجانب وستزيد من تجربته في تنظيم قواته والتنسيق فيما بينها".
ووفقا لإيمانويل ديبوي، تستهدف المناورات بالأساس التحديات الأمنية التي تواجهها القارة، وخصوصا منطقة الساحل حيث يتصاعد حضور المنظمات الإرهابية.
وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي 2022، “تمثل بلدان الساحل نسبة 48 بالمائة من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب في العالم، كما أن أربعة دول من أصل عشرة التي سجلت أعلى زيادة في عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب تقع أيضا في إفريقيا جنوب الصحراء، وهي النيجر ومالي، ونيجيريا وبوركينا فاسو".
وبالتالي، يختم ديبوي حديثه بالقول، "فالهدف من مناورات “الأسد الإفريقي” في نسخته الحالية مفتوح على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، وملف ليبا رغم أنه من الملفات الشائكة إلا أنه لا يدخل في صلب هذه المناورات".