تعيش الساحة السياسية السّنّية في العراق حالة قلق خشية تفاقم الانقسامات بينها، بعد عودة قيادات سُنّية للعراق إثر تبرئة القضاء لها من تهم الإرهاب، وسط مؤشرات على دور لتكتلات شيعية تريد استغلالها لضرب تحالف "إنقاذ وطن" الشيعي-السني الذي يقوده مقتدى الصدر.
وبرّأ القضاء العراقي الشهر الجاري، وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، ووزير التخطيط الأسبق سلمان الجميلي، والشخصية العشائرية علي حاتم السليمان، من تهمة الإرهاب إبان قيادتهم لساحات الاعتصام في محافظة الأنبار، غربي العراق في يناير 2013، ضد سياسات الحكومة التي كان يقودها حينذاك نوري المالكي (المنضم حاليًّا لتحالف "الإطار التنسيقي" الشيعي الجامع لتكتلات موالية لإيران)، والذي أصدر حينها أوامر بالقبض على خصومه السّنّة.
ويحاول "الإطار التنسيقي" أن يُحدث ثغرة في تحالف "إنقاذ وطن" الذي يضم الكتلة الصدرية بقيادة مقتدى الصدر، وتحالف "السيادة" السّني بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، عبر القضاء، بهدف إضعاف حلفاء الصدر في الساحة السنية.
ويعد العيساوي والسليمان من الشخصيات الفاعلة في محافظة الأنبار، والمناوئة لسياسة الحلبوسي الذي يسعى إلى أن يكون صاحب القرار السياسي السّني بشكلٍ عام، والأنباري بشكلٍ خاص.
وتمكن الحلبوسي، الذي ينحدر أيضًا من الأنبار، من السيطرة على مفاصل السلطة المحلية، وبناء قاعدة شعبية رفعته في انتخابات أكتوبر العامة ليتصدر المكون السني (34 مقعدًا).
تكتيك قديم
لم تكُن تبرئة القضاء العراقي لشخصيات سياسية متهمة بـ"الإرهاب" هي الأولى، بل شهدتها صراعات سابقة، حتى صارت اتهامات الإرهاب محل شك أنّها ورقة ابتزاز يستخدمها مَن بيده السلطة في العراق لابتزاز خصومه.
يقول محمد نعناع، باحث في الأمن والسياسة، لـ"سكاي نيوز عربية"، إن أسلوب تبرئة الزعامات السنية من قضايا الإرهاب والفساد والانتماء إلى حزب البعث الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ليس جديدًا، لكن في كل مرحلة تكون لها أسبابها.
ومن هذه الأسباب إيجاد قيادات جديدة مصطبغة بالمظلومية لتسويقها بين السّنَّة لتعادل قيادات سُنّية اختلفت مع الشريك الشيعي، حسب نعناع.
ويرى أن من أقوى قادة هذا الاتجاه بين الشيعة، نوري المالكي، الذي شيطنَ جميع من اتفق معه ثم اختلف.
ومن بين مَن تضرروا من هذه السياسة، يتابع المحلل العراقي قائلا: "شخصيات سُنية تم إبعادها من الانتخابات مثل صالح المطلك وظافر العاني اللذان اتهمهما المالكي بالانتماء لحزب البعث، ثم انتقل الاستهداف إلى شركائه في حكومته، مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي اللذان رفضا الخضوع للمالكي".
"الإطار التنسيقي" ينفي
تنفي عالية نصيف، عضو الإطار التنسيقي النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، أن يكون تحالفها وراء التسوية التي أفضت إلى عودة العيساوي إلى العراق، وقالت لـ"سكاي نيوز عربية" إن ما أعاد العيساوي هو الثقل الجماهيري والمجتمعي والعشائري له داخل الأنبار.
"السيادة": لا نتخوّف من أحد
يعتقد نعناع بأن "تبرئة شخصيات متهمة بالإرهاب مسألة سياسية لا علاقة لها بالمسار القضائي، وتهدف إلى إيجاد بديلٍ أو معادل للزعامات السنية الحالية (مثل الحلبوسي) التي تركز ثقلها البرلماني مع خصوم المالكي".
لكنّ حزب "تقدم" المنضوي في تحالف "السيادة"، وهو حزب الحلبوسي، رد على ما أثير بشأن أن عودة شخصيات أنبارية يمكن أن تزعزع مكانته على لسان النائب صلاح الدين الدليمي، قائلًا: "حضورنا معروف، وجمهورنا ثابت، واستطعنا إعمار مناطقنا، ولدينا أهداف واضحة، ولا نتخوف من ظهور أي شخصية منافسة، لأننا نشجّع على التنافس السياسي لخدمة مناطقنا".