بات السكن في بيروت أمرا عصيا على الكثير من شباب لبنان، في ظل الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي تعيشها البلاد، وذلك بعدما تراجعت قدرة المواطن على استئجار شقة.
ويجد آلاف اللبنانيين أنفسهم مضطرين للسكن قرب العاصمة ومحيطها قرب أماكن عملهم، توفيرا لكلفة التنقل، لا سيما بعد ارتفاع أسعار المحروقات فضلا عن شحها.
ووفق مصادر خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من إدارة الإحصاء المركزي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء في لبنان، فإن كلفة الإيجار ارتفعت بشكل عام بنسبة 59 بالمئة في الفترة ما بين يناير 2018 وفبراير 2022.
كما ارتفعت كلفة الإيجار القديم الذي يعود إلى ما قبل الحرب الأهلية عام 1975 بنسبة 96 بالمئة، فيما ارتفعت كلفة الجديد، أي بعد عام 1992، بنسبة 36 بالمئة.
معاناة كبرى
واضطر شادي للسكن في بيروت العام الماضي، وتحديدا في منطقة بدارو شرق العاصمة.
بدأ شادي عملية بحث مضنية عن شقة صغيرة، وفوجئ بالأسعار التي تبدأ بـ200 دولار (نحو 5 ملايين ليرة) وما فوق، وبما أن الراتب الذي يتقاضاه لم يكن كبيرا، فقد اضطر إلى البحث عن منزل لا يتجاوز إيجاره مليون ليرة.
وجد غرفة صغيرة أشبه بزنزانة على حد تعبيره، بحمام صغير يصعب الوقوف فيه، أما الإيجار المطلوب فبلغ مليونا ونصف مليون ليرة، فما كان منه سوى أن توجه للسكن عند أحد أقاربه مؤقتا.
واليوم، يفكر شادي بترك الوظيفة والعودة إلى منزله في البقاع، والبحث عن وظيفة "أونلاين"، لأن إيجار غرفة في بيروت صار بالدولار.
وترى رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات المستشارة أنديرا الزهيري، أن "السكن في بيروت بات ترفا. نتيجة عدم وجود مساحات خالية للبناء ارتفعت قيمة الإيجارات بعد زيادة الطلب على الشقق السكنية".
وأضافت المسؤولة في الشأن العقاري: "لم تتغير قيمة الإيجارات، ما تغير هو سعر صرف الدولار الذي رفع قيمة عقود الإيجارات الجديدة. معظم المستأجرين هم من الموظفين الذين يقبضون رواتبهم بالليرة التي صارت لا توازي عشر المبلغ الذي كانوا يتقاضونه سابقا، إذ لم تعد لديهم القدرة على استئجار الشقق السكنية المعروضة بالدولار".
وتابعت الزهيري: "انعكس الانهيار الاقتصادي بشكل سلبي على الشقق السكنية خصوصا في العاصمة"، وحمّلت الدولة المسؤولية عندما قالت: "كان عليها أن تحرر الإيجارات القديمة تدريجيا لزيادة سوق العرض، لأن معظمها مقفلة أو مشغولة بحجة قبض تعويضات أو خلو، بحيث لا تتجاوز بدلات إيجارها السنوية في معظمها 300 ألف ليرة لبنانية (12 دولار حاليا)".
وأضافت الزهيري: "بالنسبة لارتفاع مؤشرات قيمة الإيجارات وتحويلها إلى الدولار، فإن كل عقود الإيجارات التي أبرمت بعد تاريخ 23 يوليو 1992 صارت خاضعة لقانون الموجبات والعقود وحرية التعاقد.
وأوضحت أن "تلك العقود صارت تبرم بالدولار بسبب خوف المالك من استحداث إيجارات استثنائية، إذ لم تكن ثمة مشكلة لأن سعر الدولار كان ثابتا على 1500 ليرة"، لافتة إلى أن "قيمة الإيجارات القديمة الاستثنائية الممددة منذ أكثر من 70 عاما فيها انتهاك دستوري لحق الملكية الفردية وظلم للمالك القديم".
مسؤولية الدولة
وتابعت الزهيري: "الدولة هي المسؤولة عن التداعيات الاقتصادية، فالقطاعان التأجيري والعقاري هما مفتاح للدعم الاقتصادي، لكن غياب السياسات الإسكانية وقوانين الإيجارات الموحدة وعدم تفعيل قانون الإيجار التملكي ومراسيمه التطبيقية الذي ينتهي بتملك الشقق كحق لكل مواطن في بلده، أوصلنا إلى هذه الحالة".
وأضافت المسؤولة: "بعد كارثة مرفأ بيروت تغير الوضع مع الأبنية الآيلة للسقوط، ومع المسح الجزئي الذي نفذه الجيش ونقابة المهندسين، هناك حوالي 58 ألف وحدة سكنية متضررة، مما يعقد مشكلة الإيجارات مع التأخر في عمليات الترميم وارتفاع أسعار مواد البناء واختفاء معظم المساعدات المخصصة للترميم، مما أضر بمصالح المالكين وشاغلي الأبنية".
وطالبت بـ"تفعيل لجان دعم المستأجرين بحسب قانون الإيجارات الجديد، لكي يسهل مساعدتهم والتمهيد لاستعادة المالكين أملاكهم من جهة، ومن جهة أخرى لخفض الإيجارات التي تؤثر في النمو الاقتصادي والعقاري من خلال العرض والطلب".