أحيت كل من الجزائر وفرنسا، يوم السبت،الذكرى الـ60 لتوقيع إتفاقيات "إيفيان2"، بين جبهة التحرير الوطني الجزائرية، والوفد الفرنسي برئاسة ووزير الشؤون الجزائرية في عهد الجنرال ديغول، لويس جوكس.
وجرى التوقيع في 19 مارس 1962، على اتفاقية نصت على وقف إطلاق النار بين الطرفين خلال الثورة الجزائرية 1954-1962.
ومهدت الاتفاقيات لاستقلال الجزائر في 5 يوليو 1962، بعد 7 سنوات ونصف من الحرب، و132 عاما من الاستعمار الفرنسي.
وألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خطابا في قصر الإليزيه أمام 200 ضيفا منهم جنود ومقاتلين ومن يعرفون بـ"الحركيين"، شاركوا في حرب الجزائر.
ودعا ماكرون مرة أخرى للتهدئة، في التعامل مع ملف الذاكرة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، مشددا على رفض الاعتذار للجزائر.
وقد شهدت عدة مدن فرنسية إحياء للذكرى، منها مدينة مونتفيرميل وذلك بدعوة من الاتحاد الوطني للمحاربين القدامى في الجزائر والمغرب وتونس.
وفي الضفة الجنوبية، حيث يعلو مطلب "الاعتذار، فقد وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عشية إحياء ذكرى "عيد النصر"رسالة إلى الشعب، وقال إن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم، داعيا إلى "معالجة منصفة" لملف الذاكرة في أَجواء المصارحة والثقة.
وحدة الأراض الجزائرية
وقال رئيس المنظمة الوطنية للحفاظ على الذاكرة، عبد الكريم خضري، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن اهتمام الجزائر بموضوع الذاكرة إستغرق وقتا طويلا، ولم تعتبره يوما وطنيا إلا في ثمانينات القرن الماضي وذلك في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
بينما جاء إقرار البرلمان الفرنسي بتاريخ 19 مارس يوما وطنيا لإحياء ذكرى الضحايا "العسكريين والمدنيين" لحرب الجزائر،عام 2012 وذلك قبل بضعة اسابيع من زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى العاصمة الجزائرية.
وأكد رئيس المنظمة الوطنية للحفاظ على الذاكرة، أن الجزائر اليوم تنظر إلى تاريخ 19 مارس كحدث كبير يعكس كفاح الشعب المسلح وجهود الدبلوماسية الجزائرية.
وما زال اليمين الفرنسي يتحسس من هذه القضية بالذات، محاولا تسليط الضوء على مطالب "الحركيين" والأقدام السوداء وضحايا حرب الجزائر من الجنود الفرنسيين.
وقد عبرت زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي اليميني مارين لوبان، عن معارضتها لتاريخ 19 مارس وقالت:"لطالما عارضنا هذا التاريخ، باعتباره تاريخا لنهاية الحرب الجزائرية، لأن عشرات الآلاف من الحركيين قتلوا بوحشية".
وحسب شهادة السياسي الفرنسي السابق، إيف رولان بيلكارت، الذي كان عضوا ممثلا عن الجانب الفرنسي في اتفاقيات إيفيان ، فإن مسار هذه الاتفاقيات مر بعدة مراحل صعبة، وقد نجحت الجزائر في الأخير في فرض خطين أحمرين تمثلا في وحدة الشعب وأراضيه بما فيها الصحراء، ومعارضة قانون الأقدام السوداء.
البنود السرية تثير الجدل
ورغم مضي 60 عاما على ذلك الحدث التاريخي، إلا أن الموعد لا يزال يثير الجدل في الجزائر، حيث يسود إعتقاد في الشارع الجزائري إلى وجد بنود سرية لا تزال تتحكم في العلاقات الجزائرية الفرنسية.
وفجر الاستقلال، حاول رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة الراحل بن يوسف بن خدة، وضع حد لذلك الجدل وقد جاء في كتابه الموسم بـ"اتفاقيات إيفيان" الذي صدر عام 1962 :"يزُعم أن اتفاقات إيفيان تحتوي على عدد من الأحكام السرية، أؤكد أنه لم تكن هناك أي فقرات سرية".
وأرجع الباحث الجزائري المختصص في التاريخ، جمال يحياوي، الجدل إلى أمرين أساسيين، يتعلق الأول بمضمون الاتفاقيات والثاني بشروط التفاوض، حيث تكمن أهمية إتفاقيات إيفيان في إنهاءها لـ132 عاما من الاستعمار الفرنسي للجزائر، وإرغام جبهة التحرير الوطني لواحدة من أقوى القوى الاستعمارية في التاريخ للجلوس على طاولة واحدة للتفاوض.
وقد نص المحور الثاني من المفاوضات على ضمان مصالح فرنسا والفرنسيين الاقتصادية والتعاون في مجال استثمار الثروات الطبيعية، لا سيما استخراج النفط في المناطق الصحراوية، إضافة إلى تفضيل فرنسا عندما يتعلق الأمر بتقديم رخص للتنقيب عن النفط. بالمقابل تعهدت باريس بتقديم مساعدات تقنية ومالية تسمح للجزائر بالنهوض باقتصادها.
وقال يحياوي لموقع سكاي نيوز عربية :"لا يوجد أي دليل عن وجود بنود سرية في اتفاقيات إيفيان وأن الأمر مجرد تفسير سياسي من الطرف الجزائري بعد الاستقلال".
ويجمع الباحثين الجزائريون على أن قراءة الجدل في الضفة الفرنسية يحمل خلفية سياسية تطفو عادة عند موعد الانتخابات الرئاسية،وهو شأن الوضع الحالي تستعد باريس لتنظيم الإنتخابات الرئاسية التي يأمل فيها ماكرون في الحصول على عهدة رئاسية جديدة.
ويؤكد يحياوي أن ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا لم يخرج من زواية النقاش والاستغلال السياسي، خاصة في باريس التي تواجه معظلة مع الجيل الرابع من الفرنسيين الذين يكتشفون كل يوم حقائق مفزعة حول الجرائم التي أرتكبها أجدادهم في الجزائر.