جدد مشروع المرسوم الرئاسي الذي أعلن عنه الرئيس قيس سعيد لتنقيح القوانين الخاصة بتمويل الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، الجدل في تونس حول الشبهات التي تلاحق عددا كبيرا من المنظمات والهيئات الناشطة تحت غطاء جمعياتي لكنها تمثل في الواقع رصيدا هاما لتمويل الأحزاب السياسية خاصة منها ذات التوجه الإخواني.
وقال قيس سعيد إنه سيحظر تلقي منظمات المجتمع المدني أي تمويل أجنبي، وذلك في إطار مساعيه لإعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد وهو ما اعتبره كثيرون ضربة قاصمة للأحزاب السياسية التي أثرت بفضل إمدادات مالية مشبوهة من الخارج، ومن بينها حركة النهضة.
وقال سعيد في اجتماع بأعضاء الحكومة "يجب منع الجمعيات غير الحكومية من التمويلات الخارجية، وسنقوم بذلك، هم في الظاهر جمعيات ولكنهم امتداد لقوى خارجية، لن نسمح بأن تأتي الأموال من الخارج للعبث بالبلاد ولا مجال لأن يتدخل أحد في اختياراتنا تحت أي ضغط أو تأثير".
وينص مشروع المرسوم الجديد الذي من المنتظر أن ينشر بالرائد الرسمي على أنه لا يمكن للجمعيات تلقي المساعدات والتبرعات والهبات من دول أجنبية لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية كما أن هذه الجمعيات مدعوة للحصول على ترخيص من لجنة التحاليل المالية قبل تلقي أي تمويل أجنبي.
كما ينص المشروع على صيغة جديدة لحل الجمعيات وهي الحل الآلي بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة، وهي صيغة تضاف إلى صيغة إصدار حكم قضائي لحلها.
وجاء تصريحات الرئيس التونسي بضرورة تغيير قوانين الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لتؤكد الشبهات التي تلاحق عددا لا يستهان به من الجمعيات المدنية الناشطة تحت غطاء السياسة، إذ تشير أرقام رسمية في تونس إلى أن النسيج الجمعياتي شهد منذ 2011 الماضية طفرة واضحة في عدد الجمعيات الذي تجاوز خلال العام الحالي 24 ألف جمعية تنشط في قطاعات مختلفة، منها الاجتماعي والسياسي والحقوقي والثقافي والصحي والديني وغيرها وأغلب هذه الهياكل يتم تمويل جزء كبير من مواردها من قبل جهات أجنبية.
وقالت بدرة قعلول رئيس المركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية بتونس إن الرئيس التونسي بحديثه عن ضرورة مراجعة قانون تمويل الجمعيات أراد إثارة ملف بعض الجمعيات التي أنشأتها الأحزاب السياسية من أجل فرض توجهاتها الدينية والسياسية ومن أجل تبييض الأموال والاستقطاب، وهناك جمعيات يصل عددها إلى 100 أو 200 ذات تمويلات مشبوهة من الخارج وتحديدا من التنظيم العالمي للإخوان الذي يضخ الأموال الطائلة للجمعيات لارتكاب جرائم مختلفة."
وأضافت قعلول في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية أن "حركة النهضة الإخوانية كانت أكثر الأحزاب المتورطة في استغلال التمويلات المتأتية من الخارج والتي تذهب في الظاهر إلى الجمعيات والمنظمات ولكنها في الواقع ليست سوى غطاء لإخفاء الشبهات والجرائم المتعددة في مجال غسيل الأموال وتسفير الشباب أو ارتكاب أعمال إرهابية."
وتابعت أن مشروع قيس سعيد لا يشمل كل الجمعيات بل تلك التي تنشط تحت غطاء سياسي وبأهداف مشبوهة خدمة لأجندات خارجية.
ولعبت جمعيات ومنظمات تونسية غير حكومية دورا طلائعيا في إطلاق الشرارة الأولى للثورة في 2011، كما يعتبرها كثيرون مكسبا لترسيخ التعددية والديمقراطية ومرصدا مدنيا مستقلا لمراقبة أداء الأحزاب والسلطة في آن واحد، لكن أغلبها تحول إلى غطاء لتمويل الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب حركة النهضة والأحزاب الموالية له، مما فتح الباب لتورط هذه الجمعيات في إرتكاب جرائم إرهابية وفي قضايا تسفير الجهاديين إلى دول أخرى.
وفي وقت سابق، أثارت عديد المنظمات المدنية والهيئات الحقوقية مسألة تمويل الجمعيات المرتبطة بتنظيمات دينية متطرفة مشيرة إلى أن هناك جمعيات تتخذ من الحملات الخيرية والدينية غطاء لتتلقى أموالا طائلة من جهات أجنبية.
وتعليقا على المرسوم الجديد، قال منير الشرفي عضو مرصد مدنية الدولة، لسكاي نيوز عربية، إن تنقيح بعض فصول المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم لقانون الجمعيات الهدف الأساسي منه هو مراقبة الأموال الأجنبية المشبوهة التي تمول الجمعيات المرتبطة بالإرهاب والتطرف الديني، ولكن وراء ذلك هناك الكثير من المخاوف بخصوص الهيمنة المحتملة للسلطات على الجمعيات المدنية، خصوصا أن بعض فقرات مشروع القانون تتضمن إشارة إلى الهيمنة الحكومية على المجتمع المدني بشكل عام."
وقال الشرفي: "هناك العديد من التنقيحات الواردة في المشروع تتعارض مع روح الدستور، لكن ينبغي أن تكون المراقبة على أساس تعقب الأموال المشبوهة فقط لا أن يساهم القانون الجديد في المساس بالديمقراطية والحقوق الدستوربة.
وبدوره يرى فتحي بن معمر رئيس جمعية "ألق" الثقافية أنه "من المهم تفعيل آليات الرقابة ما قبل وما بعد حصول الجمعيات والمنظمات على التمويلات الأجنبية، أي مصدر تلك الأموال وأين ستصرف تحديدا حتى لا تتضرر الجمعيات التي لها أهداف سامية وليست لها شبهات وبعيدة عن التطرف وخدمة الأحزاب والأجندات الأجنبية أو جرائم غسيل الأموال."
ويكشف بن معمر، لسكاي نيوز عربية، قائلا: "إذا كانت هناك أحزاب أو جهات أجنبية تتخفى وراء الجمعيات سواء كانت النهضة أو غيرها، وأثبتت التحريات ضلوعها في تسفير الشباب أو التطرف الديني فالقانون يصبح أمرا لا محيد عنه لتعقب تمويلاتها ووضع حد لتجاوزاتها.
يذكر أن تقارير مختلفة كشفت سابقا أن الكثير من الجمعيات في تونس تحولت إلى فروع خارجية وخفية للأحزاب السياسية حيث يتعاظم نشاطها خلال الحملات الانتخابية كما أن بعضها كان بمثابة المطية التي تستغلها دول أجنبية لتمرير أجنداتها الخاصة في تونس، إذ أثبتت تحريات قضائية سابقة أن جمعيات موالية بالخصوص لحركة النهضة الإخوانية في تونس تورطت في عمليات التسفير وإرسال الشبان إلى بؤر التوتر في العالم منذ 2011.