في الحروب تتجلى المآسي الرهيبة، فوسط الموت والدمار يسعى الجميع للفوز بالنجاة والهروب، وهذا بالضبط ما يلتمسه شابان جزائريان يحاولان الخروج من مدينة خاركيف المنكوبة شرقي أوكرانيا، دون جدوى حتى الآن، مطلقين استغاثتهم عبر موقع سكاي نيوز عربية.
وتقع مدينة خاركيف، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 1.4 مليون نسمة، على مسافة تقل عن 20 ميلاً (32 كيلومترًا) جنوب الحدود الروسية، وتشهد منطقة خاركيف قصفاً روسياً شديداً، أودى بحياة 34 شخصاً من المدنيين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، بحسب ما قالت خدمات الطوارئ في أوكرانيا، الخميس.
ويحاول كل من يعيش في خاركيف الخروج منها عبر القطارات، أو الحافلات التي تعد وسيلة انتقال غير آمنة مع اشتداد القصف، متوجهين إلى مدينة لفيف التي تقع غربي أوكرانيا، وتعد نقطة التقاء النازحين نحو الدول الحدودية.
اللحاق بالقطار
يروي طالب جزائري - فضل حجب اسمه - لموقع "سكاي نيوز عربية" معاناته تحت وطأة القصف، إذ يقول إنه منذ اليوم الأول للغزو الروسي وهو يحاول الفرار من المدينة، لكن ثمة معوقات تحول دون خروجه حتى الآن.
ويقول الشاب صاحب الـ 22 عام، والذي يقطن شارع سيربنيا وسط المدينة، إن المشكلة الأولى تتلخص في صعوبة حركة الانتقال داخل المدينة، وهو ما حال بينه وبين الانتقال إلى محطة القطارات التي تبعد عن محل سكنه نحو 7 كيلومترات.
ويتابع الشاب الذي يدرس هندسة الكمبيوتر في جامعة خاركيف الوطنية التقنية: "مسألة العثور على سيارة أجرة أصبحت مستعصية، كما أن أسعار الانتقال باتت باهظة جداً، ففي الظروف العادية - قبل الحرب - كانت تكلفة الانتقال لمحطة القطارات بـ"التاكسي" حوالي دولارين، اليوم وصلت إلى 100 دولارا أميركياً".
ويكمل: "بعدما عثرت على سيارة أجرة بصعوبة بالغة يوم الأربعاء، بدأت معاناة جديدة داخل محطة القطارات، فأمام الباب الذي يتيح لنا الوصول إلى رصيف القطارات، وقف حارسان أوكرانيان، اشترطا دخول الأطفال والنساء أولاً، ثم بعد ذلك فوجئنا بدخول رجال أوكرانيين بعد حديث جانبي مع الحراس، وعندما حاول بعض الهنود المرور بنفس الطريقة تم منعهم والاعتداء عليهم".
ويقول الشاب الجزائري إن بعض الرجال الأوكرانيين كان يقفزون من أعلى السياج دون اعتراض من الشرطة، لكن عندما يحاول أي أجنبي العبور بنفس الطريقة يتم منعه وأحيانا الاعتداء عليه، وبعد معاناة واعتداءات استطعنا كأجانب الوصول إلى الرصيف.
ويردف: "في محطة القطارات تعرفت إلى شاب أردني، وبدأنا ننتقل سوياً من رصيف إلى آخر، ونقفز عبر السياجات في ظل طقس شديد البرودة، وكلما يأتي قطار يمنع العمال والشرطة صعود أي شخص غير النساء والأطفال، وبعد ذلك الرجال الأوكران، أما العرب والهنود والأفارقة وغيرهم فلا يسمح لهم بصعود القطارات".
يقول بنبرة حزينة: "المضحك المبكي أننا كنا نشاهد الكلاب والقطط يسمح لها بصعود القطارات بصحبة الأوكرانيين، بينما مُنعنا نحن".
وفي ختام حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" يقول الطالب الجزائري: "في نهاية الأمر فقدنا الأمل في اللحاق بأي قطار وعدنا أدراجنا إلى المنزل، ننتظر الفرج تحت القصف، وما نطلبه الآن هو التدخل من أي جهة مسؤولة لإنقاذنا".
استغاثة أخرى
ثمة معاناة أخرى لشاب جزائري آخر يدرس في جامعة خاركيف الوطنية للاقتصاد، وهو يعيش في حي Prospect Peremoha وهو الحي الأقرب للحدود الروسية، ويقول الشاب - الذي فضل عدم ذكر اسمه أيضاً -، إن الضاحية التي يقطنها في خاركيف تعد آمنة نوعاً ما، وبعيدة عن القصف حتى الساعة، كما يتوافر بها الحاجيات الأساسية لكن بكميات قليلة.
ويضيف في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه كان في البداية كان يستأجر شقة من أوكرانيين، لكن مع بداية الحرب انتقل للسكن معهم كونهم يعرفون اللغتين الروسية والأوكرانية، ولديهم إلمام بالإنجليزية، وهو ما يساعده على التواصل في ظل هذه الأجواء المضطربة، خاصة أنه يبحث منذ ستة أيام عن سيارة أجرة تنقله إلى محطة القطارات التي تبعد عنه حوالي 17 كيلومترات.
ويقول إنه خلال كل هذه المدة لم يجد سيارة تنقله إلى المحطة؛ كون الانتقال أصبح غير آمن، لكن حتى الوصول إلى المحطة لم يعد حلاً في حد ذاته، مع منع العرب وبقية الأجانب من استقلال القطارات، وإعطاء الأولوية فقط للأوكرانيين.
ويضم الشاب الجزائري صوته إلى صوت مواطنه الآخر في خاركيف لحث كل من يستطيع مساعدتهم على خروجهم من خاركيف، في ظل عدم وجود ممثل للسفارة الجزائرية في المدينة، إلى جانب أن عدد أبناء الجالية الجزائرية في خاركيف محدود للغاية، وهو ما يضعهم في موقف حرج.