الفرار تجاه الحدود الغربية الأوكرانية، صار حلما جماعيا يراود كل من يعيش داخل البلاد التي تتعرض لهجوم عسكري روسي، وقد نجح مئات الآلاف بالفعل في الزحف نحو دول الجوار، خاصة بولندا ورومانيا، إلا أن الوضع مختلف بالنسبة لـ40 طالبة مصرية تقطعت بهن السبل في مدينة سومي شرقي البلاد.
خريطة المعارك كشفت أن سكان المدن الأوكرانية الغربية كانوا أوفر حظا من غيرهم في المدن الشرقية والجنوبية، من حيث سهولة الوصول إلى الحدود الغربية، ومن ثم مغادرة البلاد بحثا عن الأمان المفقود منذ نحو أسبوع.
أما مناطق الشرق الأوكراني، فقد دفعها موقعها الجغرافي المتاخم للحدود الروسية إلى أن تكون "الفريسة الأولى" للجيش الروسي، ليجد سكانها أنفسهم محاصرين تحت نيران القصف العنيف، الذي لا تلوح فرصة للنجاه منه سوى التزام الملاجئ.
ومن بين من تقطعت بهم السبل هناك، 40 مصرية يدرسن الطب في جامعة سومي الوطنية، بمدينة سومي ذات الطابع الريفي، التي سيطر عليها الجيش الروسي قبل أيام، لتتحول حياتهن إلى مشاهد من الرعب المتواصل.
ندا عبد الفتاح، الطالبة بالسنة الثالثة في كلية الطب بجامعة سومي، تقول لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنها "تنام وتستيقظ على أصوات انفجارات الصواريخ، التي تؤدي شدتها إلى ارتجاج البناية التي تسكنها وزميلاتها".
وتضيف أن إدارة الجامعة قامت بنقلهن إلى سكن طالبات داخلي لتأمينهن، إلا أنهن اضطررن جراء القصف الصاروخي المتواصل للاحتماء بملاجئ قديمة ومتهالكة تحت الأرض، تعود لأربعينيات القرن الماضي، إبان الحرب العالمية الثانية.
وتكمل زميلتها منى مجدي، في اتصال هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية": "هذه الملاجئ غير آدمية على الإطلاق، ولا تتوفر فيها تهوية أو إضاءة، كما أن درجة الحرارة داخلها تحت الصفر، مما يعرضنا للإصابة بنزلات البرد في الوقت الذي لا تتوفر فيه أية أدوية، بعدما أُغلقت الصيدليات تماما كسائر الأنشطة الأخرى".
وأوضحت مجدي أن "ماكينات الصرف الآلي خاوية تماما من النقود، وبالتالي لا يستطعن تأمين احتياجاتهن الأساسية بعد نفاد ما لديهن من أموال ومواد غذائية"، مشيرة إلى أنه "لا سبيل لتدبير احتياجاتهن اليومية الأساسية بسبب خطورة الخروج إلى الشوارع"، بعد سيطرة القوات الروسية على المدينة.
وأضافت: "دمار كبير لحق بالبنية التحتية للاتصالات في أوكرانيا، لذا نواجه صعوبة كبيرة في التواصل مع عائلاتنا في مصر، التي تكاد تنفطر قلوبها علينا، فنحن نواجه مصيرا مجهولا بعدما قطعنا نصف مشوارنا نحو التخرج وارتداء الرداء الأبيض".
وتعد الجامعات الأوكرانية وجهة مفضلة لكثير من الطلاب المصريين، من أجل الحصول على مستوى تعليمي متميز ودرجة علمية مرموقة تؤمن لهم مستقبلا راقيا لدى عودتهم إلى بلدهم.
من جانبها، دعت الطالبة صفاء عبد السلام، السفارة المصرية في كييف لتقديم المساعدة لهن، والمساعدة في إخراجهن من أوكرانيا.
وأضافت لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنها وزميلاتها يفكرن في "المغامرة بالهرب تجاه الحدود الغربية"، رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة كبيرة، إلا أنها تؤكد أن "حياتهن مهددة بالأساس" في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، وأن "أجواء الموت" تحيط بهن طوال الوقت".
موقع "سكاي نيوز عربية"، تواصل كذلك مع الطالبة رنا عبد السلام، التي تطالب بإجلائهن عبر الحدود الشرقية القريبة، التي لا تبعد سوى 3 ساعات فقط صوب روسيا ومنها إلى مصر.
وأكدت "عدم وجود وسيلة آمنة للوصول إلى حدود أوكرانيا الغربية، التي تبعد نحو 15 ساعة من ولاية سومي، الواقعة شمال شرقي أوكرانيا".
إلا أن هذا الحل يتطلب تنسيقا بين الحكومتين المصرية والروسية، مثلما فعلت الحكومة الهندية، التي تستعد لإجلاء رعاياها من الطالبات الهنديات بجامعة سومي، حسبما تؤكد عبد السلام.
وتعمل وزارة الهجرة المصرية على حصر كافة احتياجات الجالية المصرية في مختلف المدن، خاصة تلك التي تواجه صعوبات في التنقل، مثل خاركوف وبالتافا وسومي، ومن ثم رفع كل المستجدات إلى أجهزة الدولة المعنية.
بدورها، تعقد وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، نبيلة مكرم، اجتماعا يوميا بممثلي الجالية المصرية في مختلف المدن الأوكرانية، عبر تطبيق "زووم"، لمتابعة آخر المستجدات، والاطمئنان على أوضاعهم، في ضوء تطورات الأوضاع الميدانية.
كما تتابع أعداد المصريين الذين تحركوا من الأماكن الخطرة، وموقف الحالات الإنسانية في أماكن الاختباء، والتأكد من سلامة أبناء الجالية في مختلف المدن الأوكرانية، وموقف المصريين العابرين إلى الحدود الأوكرانية-الرومانية والبولندية والمجرية والسلوفاكية، مع إنشاء قاعدة بيانات ورفعها للجهات المعنية.
وخلال اجتماع الاثنين، أعلن بعض رموز الجالية المصرية أن هناك حالة إصابة لمصري مقيم في أوكرانيا، يدعى "محمد سعد محمد زايد"، ناجمة عن القصف الجوي، في أحد شوارع مدينة خاركوف، موضحين أن حالته مستقرة الآن ويتلقى الرعاية الطبية داخل المستشفى عقب إجراء جراحة عاجلة.
وعلى ضوء التطورات الأخيرة في الأراضي الأوكرانية، أصدرت وزارة الخارجية المصرية توجيهات عاجلة إلى سفاراتها في عواصم دول الجوار الأوكراني، بالعمل على مدار الساعة على تيسير استقبال المصريين العابرين لحدود أوكرانيا باتجاه هذه الدول، والعمل على توفير كافة أوجه الرعاية اللازمة لهم، بما في ذلك تسهيل الانتقال وتسكينهم في الفنادق ومقرات مؤقتة للإقامة.
وأوضح بيان للخارجية المصرية، أن السفارتين المصريتين في كل من وارسو وبوخارست، بدأتا بالفعل باستقبال مجموعات من المصريين الذين غادروا الحدود الأوكرانية، حيث قدمت لهم أوجه الرعاية اللازمة، وذلك بالتنسيق مع السلطات البولندية والرومانية.