مع اشتداد الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في لبنان، تتسارع مؤسسات بحثية لإجراء دراسات حول نسب الهجرة في البلاد ومسبباتها، خاصة بين أوساط الشباب.
وفي أحدث تقرير، نشرت مجلة "الدولية للمعلومات" الإحصائية الشهرية، الأربعاء، أرقاما تكشف عن "قفزة" في الهجرة، استنادا إلى حركة دخول وخروج اللبنانيين الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام.
وكشفت البيانات أن عدد المهاجرين والمسافرين من لبنان عام 2021، بلغ 79 ألفا و134 شخصا، مقارنة بـ17 ألفا و721 شخصا في عام 2020، أي بارتفاع قدره 61 ألفا و413 شخصا ونسبته 346 بالمئة.
وبالتالي، يكون عام 2021 قد سجل العدد الأكبر من المهاجرين والمسافرين خلال الأعوام الخمسة الماضية، فيما سجلت الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2021 حصيلة مهاجرين ومسافرين بلغت 215 ألفا و653 شخصا.
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، قال الباحث في مجلة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين إن لفظتي "المهاجرين والمسافرين" تشملان من غادر لبنان بنية الاستقرار خارجه، سواء عبر الهجرة بلا عودة أو الإقامة والعمل في بلد آخر لفترة طويلة.
وأشارت المجلة إلى أن "الأزمة الاقتصادية المتفاقمة تدفع بآلاف اللبنانيين للهجرة والسفر بحثا عن فرص العمل أو تحسينا لظروف الحياة التي أصبحت مستحيلة، في ظل انعدام الخدمات العامة من كهرباء ومياه ونقل وارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص".
عزم على المغادرة
وفي السياق ذاته، أعرب لبنانيون استقصى موقع "سكاي نيوز عربية" آراءهم عن رغبتهم في ترك بلدهم من أجل العمل خارجها، بعدما ضافت بهم السبل في الداخل.
ويقول شادي (40 عاما) الذي يعمل موظفا في إحدى المؤسسات في بيروت: "عندما تزوجت قبل 12 عاما كانت أحلامي وطموحاتي كلها مرتبطة بلبنان. كنت أحلم ببناء عائلة وتطوير عملي وتأمين حياة كريمة لأولادي كأي رب أسرة طبيعية في أي مكان من العالم".
ثم يضيف: "لكن يبدو أن تلك الأحلام الطبيعية والأساسية صارت ممنوعة علينا في لبنان"، مبررا فكرة الهجرة عن وطنه إلى مكان آخر لم يحدده بعد.
وتقول هناء التي تدرس الهندسة في عامها الرابع: "أريد الهجرة إلى أي بلد يمكنني أن أشعر فيه بالأمان فقط".
وفي المنحى نفسه، تتحدث الأم هيفاء عن قلقها مما هو قادم، فتقول: "لا أريد أن أغفو يوميا على كوابيس أزيز الرصاص وذكريات الحرب الأهلية، وأصحو على صراخ السياسيين وسيطرة المصارف على شقاء عمري".
دوافع الهجرة
ويقول الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، إن "الهجرة نتاج واضح للواقع اللبناني، سواء كان على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، خصوصا في العامين الماضيين".
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "الهجرة كانت كثيفة والأصعب في الأمر أنها تضم فئة الشباب بالدرجة الأولى، وبحسب المعلومات الأولية فإن أكثر من 70 بالمئة من المهاجرين من شريحة الشباب، وهذا العنصر جوهري حتى ينهض البلد اقتصاديا".
وتابع عجاقة: "لا أعلم كيف يمكن للبنان أن ينهض من أزمته حتى بمساعدة صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، إذا لم تكن هناك يد عاملة قادرة على النهوض بالبلاد. استمرار الهجرة بهذه الوتيرة سيوصل البلاد إلى فراغ كبير في سوق العمل، وسيضطر إلى جلب يد عاملة أجنبية قد لا تكون مؤهلة مثل الشباب اللبناني".
وأردف الباحث أن ثمة "جريمة ترتكب بحق الشباب وبحق الاقتصاد اللبناني، نتيجة عدم التوافق على حل للخروج من الأزمة وتوقيع برنامج مساعدة مع صندوق النقد الدولي".
ويرى عجاقة أن "هذا التخبط سياسي بامتياز"، مشيرا إلى أن معالجة هذه الأزمات يتم حتما عبر بوابة السياسة، سواء تعلق الأمر بإيجاد حل اقتصادي أو بجعل الشباب يحجمون عن المغادرة، حتى يساهموا في اقتصاد بلادهم.