لا حديث في مدينة القنيطرة، القريبة من العاصمة المغربية الرباط، إلا عن غبار أسود ينغص على الساكنة حياتها اليومية، ويكدر صفو المدينة، التي أصبحت قبلة لعدد من المغاربة الباحثين عن العمل.
يأتي ذلك فيما ارتفعت أصوات لفاعلين جمعويين ومهتمين بمجال البيئة للمطالبة بوضع حد لهذا التلوث الذي يهدد صحة مئات الآلاف من القنيطريين.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "القنيطرة تختنق" تنديدا بتلوث الهواء في مدينتهم، ومن أجل لفت انتباه المسؤولين لإيقاف ما يسمونه "جريمة" في حق البيئة، منبهين إلى ضرورة إيجاد حل جدري وعاجل لانبعاثات المصانع بالمدينة التي أصبحت منذ بضع سنوات وجهة مفضلة لرؤوس الأموال، بحكم قربها من العاصمة والساحل الغربي للبلاد.
الغبار الأسود
تقول نعيمة، ربة بيت وأم لثلاثة أبناء، تقطن بمدينة القنيطرة منذ أزيد من 20 عاما، إنها تعاني الأمرّين من الغبار الأسود. فما إن تقوم بتنظيف البيت وكنسه حتى تجد الأرض متسخة بغبار شبيه بمسحوق الفحم.
وقالت في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "حتى بعد تنظيف الملابس بآلة الغسيل، فإنها تتسخ بسرعة بعد دقائق قليلة من تعليقها على حبل التجفيف، كأنها لم تُغسل قَط. نحن نعاني كثيرا من انتشار الغبار الذي جعل حياتنا سوداء، ناهيك عن الأمراض التنفسية والجلدية المستشرية".
وتتناسل التدوينات على مواقع التواصل لتحكي قصصا شبيهة بحكاية السيدة نعيمة مع الغبار المزعج. كما انتشرت صور وفيديوهات لمسحوق أسود متناثر على سطوح المباني يثير الذعر في نفوس الساكنة. وأمام هذا الوضع أقدمت جمعيات محلية على مراسلة الحكومة، مطالبةً بفتح تحقيق في الموضوع.
تحديد المسؤوليات
ودخلت الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية على خط معاناة ساكنة مدينة القنيطرة من الغبار الأسود، مطالبة المدير الجهوي لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بجهة الرباط سلا القنيطرة بتقديم توضيحات حول ملابسات عودة الغبار الأسود إلى سماء مدينة القنيطرة.
وأفادت الجمعية، في بيان اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية"، بأنها توصلت بشهادات الساكنة حول الموضوع، فضلا عن صور تظهر عودة تراكم مواد سوداء على أسطح المنازل وعلى النوافذ والأبواب.
ودعت الجمعية المسؤول إلى تقديم شروحات بخصوص عودة الظاهرة التي أصبحت تقض مضجع سكان القنيطرة وتثير حفيظتهم وكذا مخاوفهم من أضرارها على صحتهم وفق نص المراسلة.
الغبار يصل البرلمان
في خضم الجدل القائم، نبه فريق حزب التقدم والاشتراكية (معارض) بمجلس النواب، إلى ما أسماه الكارثة البيئية والصحية، التي تعرفها مدينة القنيطرة، عقب ظهور الغبار الأسود بسمائها، والناجم عن مخلفات الوحدات الصناعية، أبرزها حسب الساكنة، المحطة المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية.
وتضمن سؤال كتابي وجهته النائبة البرلمانية نادية التهامي، عن فريق "الكتاب"، إلى وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، تساؤلها عن الإجراءات المتخذة من طرف وزارتها "لمحاصرة كارثة الغبار الأسود الناجم عن الوحدات الصناعية بمدينة القنيطرة".
ولفت الفريق البرلماني إلى ضرورة الانتباه إلى أن هذا الغبار الأسود، خلف "أضرارا صحية وبيئية، دون اتخاذ تدابير وإجراءات ملائمة وفعالة، للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد المدينة بكاملها".
كما تساءل نواب "التقدم والاشتراكية"، عن "الإجراءات والتدابير المتخذة لمحاصرة هذه الكارثة البيئية والصحية، علما أن بلادنا صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تخص احترام البيئة والحد من التلوث".
وتجدر الإشارة إلى أن مستشارين اثنين من تحالف فيدرالية اليسار بجماعة القنيطرة كانا قد راسلا وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي شهر ديسمبر المنصرم بخصوص ذات الموضوع.
وقال المستشاران في مراسلتهما "إن هذا الغبار الأسود المنبعث من المنطقة الصناعية وبالضبط من المحطة الحرارية لتوليد الكهرباء قد يتسبب في أضرار صحية بالغة جدا لساكنة الأحياء القريبة منها".
وحدة متنقلة لرصد جودة الهواء
ردا على الأصوات المنادية بفتح تحقيق، واستجابةً للمطالب الداعية لايجاد حل سريع لإشكالية الغبار الأسود، أفادت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بأن "المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث (التابع لها) قام بتنسيق مع السلطات المحلية، بتعبئة وحدة متنقلة لرصد جودة الهواء مجهزة بمعدات قياس خاصة بالغبار الأسود، من أجل القيام بتحليلات إضافية بمختلف المواقع التي من المحتمل أن تعرف تلوثا بهذا الغبار بمدينة القنيطرة".
وأوضح بلاغ للوزارة، اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية"، أن تعبئة الوحدة المتنقلة لرصد جودة الهواء يتم في "أفق إعداد تقرير تقني سيتم تقديمه إلى اللجنة الإقليمية لتمكينها من اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة وفقا للقوانين الجاري بها العمل".
وذكر البلاغ أنه حسب نتائج تقييم جودة الهواء لسنة 2021 بمدينة القنيطرة تم تصنيف مؤشر الجودة على العموم خلال العشر أشهر الأولى لهذه السنة بـ"جيد" و"جيد جدا".
المصدر ذاته أشار إلى أنه تم أيضا "تسجيل بعض التجاوزات بالنسبة للجزيئات العالقة وثاني أكسيد الكبريت لكن دون أن تصل إلى درجة الخطورة"، مضيفا أنه "بالنسبة لغازات ثاني أوكسيد الآزوت والأوزون وأوكسيد الكربون، فيبقى تركيزها أقل من الحدود القصوى المعتمدة".
أما فيما يتعلق بالمحطة الحرارية بالقنيطرة التي تشير إليها الأصابع، أوضح بلاغ الوزارة الوصية أن "تشغيلها يتم استثنائيا ولفترة زمنية محدودة بقرار من طرف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، لتثبيت الشبكة الكهربائية في حالة الطوارئ".
وخلص البلاغ إلى أنه "تمت مطالبة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب باتخاذ كافة الإجراءات للحد من حجم الانبعاثات الناتجة عن هذه المحطة، في انتظار إيقافها نهائيا، في إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي".