وسط عاصفة من الخلافات بين الجزائر وفرنسا، تبادل البلدان خطوات قد تخفض سقف الأزمة، حيث واصل السفير الجزائري لدى فرنسا، الخميس، عمله بعد أن أعلنت باريس فتح الأرشيف السري لجزء من تاريخ احتلالها للجزائر.
ونقل التلفزيون الجزائري، الأربعاء، أن سفير الجزائر لدى فرنسا، محمد عنتر داود، سيعود لمواصلة مهامه في باريس، الخميس.
وجاء سحب السفير في أكتوبر الماضي بعد توترات بين البلدين، توّجتْها ما نقلته صحيفة "لوموند" عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "النظام السياسي العسكري" الجزائري أعاد كتابة تاريخ الاستعمار الفرنسي على أساس كراهية فرنسا"، وهو وما وصفته الجزائر بأنها تصريحات "غير مسؤولة".
وتصاعد التوتر بقرار وزارة الداخلية الفرنسية تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف، وعودة الجزائريين الموجودين في فرنسا بطرق غير شرعية، وردّت الجزائر بغلق مجالها الجوي في وجه الطيران العسكري الفرنسي المتجه للساحل الإفريقي.
أجواء الانتخابات
ويقول الدكتور عمر رخيلة، المتخصص في التاريخ الجزائري، إن سحب السفير كان للضغط على فرنسا بعد أن تمادت في تجاهل مطالب الجزائر بكفِّ ماكرون عن إطلاق التصريحات المسيئة.
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "لكن حدثت المفاجأة هنا للجزائريين حين رأوا أن حتى سحب السفير لم يوقف انزلاقات ماكرون بسبب تأثره بأجواء حملته الانتخابية".
وتستعد فرنسا للانتخابات الرئاسية، في أبريل المقبل، ومتوقع أن يلقَى ماكرون منافسة قوية من أحزاب يمينية تتبنى الخطاب القومي، وهو ما يدفعه للاقتراب من هذا الخطاب، لمغازلة الناخبين، بحسب الباحث الجزائري.
تهدئة أم ابتزاز؟
وخطوة التهدئة الجزائرية مع باريس جاءت بعد قرار فرنسا، في ديسمبر المنصرم، فتح أرشيفها الخاص بالسنوات 1954- 1962 من تاريخ احتلالها للجزائر.
وهذه الخطوة اختلف بشأنها متابعون، فهناك من اعتبرها "عربون تهدئة مع الجزائر"، لكنَّ آخرين وصفوها بـ"ورقة ابتزاز".
ويعقب رخيلة بأن فرنسا اختصرت 132 سنة (احتلت فرنسا الجزائر من 1830- 1962) في سنوات قليلة، شملت كشف محاضر البوليس والجندرمة، وهي لا تشمل المجازر المرتكبة في حق سكان قرى وأحواز جزائرية كاملة، وأكثرها يخص مخالفات وجنحًا بسيطة.
وعن هدف فرنسا من هذا، يرى أنه ربما يكون "إحداث شرخ في المجتمع الجزائري بكشف من تعاملوا مع الاحتلال والوشاية بالمناضلين الجزائريين والأبطال السريين".
مستقبل العلاقات
لكن العلاقات أقوى من أن تتأثر بخلاف ظرفي، فهي متشابكة ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، علاوة على أنها إنسانية بالدرجة الأولى، بحسب رخيلة.
ويفسر ذلك بأن فرنسا بها 6 ملايين جزائري، بعضهم له دور فاعل في المؤسسات الفرنسية، ولفرنسا الدور الرئيسي في الاقتصاد الجزائري؛ ولذا فلن تحدث قطيعة، وعودة السفير منتظرة.
غير أن رخيلة يلفت إلى أن نتائج الانتخابات الفرنسية قد يكون لها تأثيرها على مستقبل العلاقات، كما أن الأمر مرهون بإرادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي "يبدو أنه لا يغفر لفرنسا محاولتها قلب الأوراق لصالح مترشح آخر في الانتخابات الرئاسية الجزائرية"، وأن الأمر يحتاج إلى دعم شعبي لـ"تبون".
وفي تقدير الدكتور عبد الرحمن بن شريط، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجزائر، فإن الجزائر أرادت من سحب سفيرها من باريس علاقات دائمة تقوم على الاحترام المتبادل والتوازن والمتانة.
ويضيف لـ"سكاي نيوز عربية" أن علاقات الجزائر وفرنسا ذات طابع خاص؛ لأن الدولتين جمعتهما مرحلة الاستعمار والاحتلال، لكن التجاوزات الفرنسية الخطيرة بحق الجزائر، وبخاصة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تتصدى لها السلطة الجديدة في البلاد التي تنشد الحفاظ على مبادئ السيادة والتكافؤ بين أي دولتين.
وأكد أن خطوة سحب -أو عودة- السفير ليست ابتزازًا لفرنسا، بل هي موقف صارم من السلطة السياسية الجزائرية لإعادة العلاقات إلى مسارها ووضعها الطبيعي، مشيرًا إلى أن الجزائر تملك جالية كبيرة في فرنسا، والبلدان بينهما مصالح اقتصادية واجتماعية متشعبة ومشتركة، بل إن الجزائر استغلت هذا الملف لضمان علاقات دائمة وطبيعية، عنوانها السيادة والاحترام.
وقبل أسابيع، زار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الجزائر سرا لاستئناف الحوار، وقال: "الجزائر وفرنسا لديهما روابط عميقة تنشطها العلاقات الإنسانية بين البلدين".