بحث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد محمد ديبي، عددا من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وتداعياتها الإقليمية على صعيد الأمن والاستقرار.
وقال الناطق باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي: "إن الجانبين اتفقا خلال اللقاء الذي عُقد بالقاهرة، على ضرورة تضمين العملية السياسية في ليبيا آلية واضحة لخروج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، مع ضمان عدم تسرب الأسلحة والعتاد العسكري لديهم إلى المحيط الإقليمي".
مغادرة مئات مرتزقة
وفي سياق التحركات الدولية بشأن ملف المرتزقة في ليبيا، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية إن 300 من المرتزقة الأجانب غادروا، مشيدة ببدء انسحاب مرحلي لألوف من القوات الأجنبية التي قاتلت خلال فترة النزاع الأخيرة.
وقالت آن كلير لوجندر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية: "حدث هذا الانسحاب الأول الذي يشكل بادرة إيجابية أولى بعد مؤتمر 12 نوفمبر"، مشيرة إلى مؤتمر باريس.
ودعا اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل له في 2020 بجنيف إلى خروج كل القوات الأجنبية والمرتزقة بحلول يناير 2021، وتكررت الدعوة ذاتها في مؤتمر باريس.
توتر بين المرتزقة
وكشفت تقارير في ليبيا تصاعد التوتر بين الميليشيات وقياداتهم بالأخص في العاصمة طرابلس، بسبب الأوضاع المعيشية التي يعانون منها، وبالأخص المرتزقة السوريون في صفوف تلك التنظيمات.
وأكدت التقارير أن الصراع احتدم بين المرتزقة وقياداتهم في ليبيا بعد تأخر صرف رواتبهم منذ 7 أشهر، بخلاف التحركات الماضية في الغرب الليبي من جانب الميليشيات التي بدأت في التحشيد لعدد من عناصرها.
وتعد أزمة الميليشيات والمرتزقة في ليبيا من أبرز التحديات أمام الليبيين نحو الاستقرار وإنهاء الاقتتال، وهنا أكد الدبلوماسي الليبي السابق سالم الورفلي، أن تلك الأزمة المزمنة يدرك المجتمع الدولي خطورتها في المستقبل القريب.
وأوضح الدبلوماسي الليبي السابق، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المرتزقة والميليشيات المسلحة في العاصمة والغرب الليبي، هما رأس الحربة الأساسية في حالة الفوضى والتشتت، ومنع أي خطوة نحو الاستقرار أو وجود كيانات شرعية.
وتابع: "فالأمر أشبه بخطف دولة بالكامل داخل جعبة تلك التنظيمات التي تضم العديد من الجنسيات السورية والتشادية وغيرهم للأسف".
تحركات الأسابيع الماضية
شهدت الساحة الليبية على مدار الأسابيع الماضية حالة من الضبابية والتوتر قبل موعد الانتخابات الرئاسية التي تم إرجاؤها، حيث بثت الرسائل التهديدية كما تم حصار المنشآت الرسمية، فماذا تفعل الميليشيات والمرتزقة؟.
في تلك الزاوية قال الخبير العسكري، عثمان المختار، إن الميليشيات من الطبيعي أن تسعى دائمًا لنسف أي استقرار، وما حدث الأسابيع الماضية يثبت ذلك من خلال 3 محاور، وكانت كالآتي:
- المحور الأول: عرقلة الاستحقاق
في تلك الجزئية قامت الميليشيات المسلحة والمرتزقة في العاصمة طرابلس، قبل موعد الانتخابات الذي كان مقررا في 24 ديسمبر الماضي، بحصار مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة بالعاصمة، وعدد من المنشآت الحكومية.
لم ينته الأمر عند ذلك الحد، بل كانت التهديدات مباشرة وصريحة، حيث توعدت ميليشيات تعرف باسم "لواء الصمود"، وتنشط في العاصمة، العمليةَ الانتخابية، وأعلنت أنه لن يتم إجراء انتخابات، وهذا ما حدث بالفعل.
تحركات الميليشيات المسلحة والمرتزقة من أجل تعطيل الاستحقاق الانتخابي، بدأت بحسب المختار، منذ إعلان المفوضية العليا للانتخابات عن بدء التحضير للاستحقاق.
وتابع الخبير العسكري: "قامت الميليشيات وداعموها بحصار مقرات المفوضية وتهديد القضاء، وتهديد الشارع نفسه، وهذا ما كشفه عماد السايح رئيس المفوضية خلال جلسة البرلمان الأخيرة في طبرق".
- المحور الثاني: تعطيل مجهودات اللجنة العسكرية
رغم المعوقات وتصدير الأزمات ومحاولة نسف أي جهود نحو التسوية السياسية، نجحت لجنة (5+5) خلال عام من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وفتح الطريق الساحلي، ووضع خطة لإخراج المرتزقة من البلاد.
وهنا أكد الخبير العسكري أن المعوقات التي وضعت أمام اللجنة العسكرية كانت من خلال ما يسمى بـ"المجلس الأعلى للدولة"، الذي كرَّس وقته الفترات الماضية في مهاجمة اللجنة إعلاميا وفي الداخل الليبي؛ لمنع أي تقدم في موضوع المرتزقة والميليشيات التي تأتمر أغلبها لتنظيم الإخوان الإرهابي.
- المحور الثالث: التحريض والفوضى
في تلك الجزئية بحسب الخبير العسكري، تصدرت قيادات التنظيمات الإرهابية والميليشيات المشهد من أجل التحريض على العنف واستغلال الدين كستار، حتى وصل الحد إلى وصف الانتخابات بـ"الكفر والمحرمة شرعا"، كما ادعى مفتي تنظيم الإخوان الصادق الغرياني.
لم يكن سلاح التحريض وحده في تلك المرحلة، بل استخدمت الميليشيات أيضا عصا الترهيب في الشارع الليبي من خلال تهديد المواطنين وتحذيرهم من الذهاب للاقتراع.
وقبل 10 أيام فقط من موعد الانتخابات، أحبط الجيش الوطني الليبي محاولة من ميليشيات محسوبة على تنظيم الإخوان، بدخولها في اشتباكات ضده بمدينة سبها جنوبي البلاد.
مطالب بخطوات ردع
قطعت اللجنة العسكرية الليبية 5+5 شوطا كبيرا على المستوى السياسي في ملف المرتزقة والميليشيات بحسب الخبراء، حيث استطاعت اللجنة العسكرية بجهودها، وبدعم دولي، فتح الطريق الساحلي بعد إغلاقه نتيجة "حرب طرابلس" التي وقعت 2019 بين الجيش والميليشيات.
كما نجحت من خلال الزيارات الخارجية التي شملت تركيا وروسيا من تنفيذ بنود سحب المرتزقة من البلاد، وبالفعل انسحب 300 مرتزق في الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم كخطوة للانسحاب الكامل.
واستضافت القاهرة أيضا اجتماعات للجنة مع ممثلي دول ينشط مرتزقة منها في ليبيا، ومنها تشاد، للاتفاق على طرق إخراجهم.
في ظل تلك الخطوات، طالب المحلل العسكري محمد الترهوني، بضرورة اتخاذ خطوات أكثر جدية مع الميليشيات بالأخص بعد عرقلتها الاستحقاق الانتخابي، مشددًا على أهمية تقليم أظافر "خفافيش الظلام"، بعد أن نهبوا ودمروا مقدرات البلاد.
وكانت الولايات المتحدة حذرت من فرض عقوبات على أي فصيل أو كيان في الداخل الليبي يعمل على عرقلة الاستحقاق الانتخابي وخريطة الطريق المتفق عليها، ومن تلك التحذيرات تعالت الأصوات الليبية المطالبة بأهمية التصدي للميليشيات وخروج المرتزقة.
من جانبه، قال راقي المسماري أستاذ القانون الخاص بالجامعات الليبية، إن تحركات المرتزقة وما يدار في الكواليس داخل العاصمة أمر صعب التنبؤ به، فالعاصمة أسيرة للميليشيات المسلحة.
وأوضح أستاذ القانون الخاص بالجامعات الليبية، خلال تصريحاته لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تحركات الميليشيات المسلحة الأخيرة هدفها فرض السيطرة على المشهد القادم، وعلى خارطة الطريق الجديدة.
وتوقع المسماري تدهور الأوضاع الفترة المقبلة نتيجة ضبابية المشهد، فالجميع لا يعلم ما هي اللحظة القادمة في الملف الليبي نتيجة تعدد الأطراف والمصالح، وسيطرة الميليشيات على مجمل الساحة السياسية.